التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون 174}

صفحة 2775 - الجزء 4

  وكذا، وذلك مما لا يحصى كثرةً، فعلى هذا هو عام في جميع بني آدم، وهذا قول الأصم وأبي مسلم وأبي بكر أحمد بن علي.

  وقال جماعة: إنه أخرج ذرية بني آدم من آبائهم عنى ما قدمنا وأشهدهم على أنفسهم على لسان أنبياء اللَّه «ألست بربكم قَالُوا بلى» وإن قررهم على ذلك استمروا على الطاعة، ولئلا يقولوا: كنا عن هذا. غافلين، أو يقولوا على تقليد الآباء، فنبه أنه لا يعاقب من له عذر كرمًا منه ورحمة، وهذا يكون في قوم خاص؛ لأنه لا يدخل جميع بني آدم فيها؛ لأن المؤمنين لا يدخلون فيه، وقد قال: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا} فلا يدخل فيه من ليس له أب مشرك، فلا بد أن يكون خاصًا في قوم، وهذا قول شيخنا أبي علي، واختيار قاضي القضاة. وكل واحد من هذين الوجهين يصح.

  فأما القول الثالث فما يرويه أصحاب الحديث عن أسلافهم من الآثار موقوفة ومرفوعة ويجعلون ذلك تأويلاً للآية، وهو أنه - تعالى - لما خلق آدم مسح ظهر آدم بيمينه فأخرج منه ذرية وقال: خلقت هؤلاء للجنة، [وبعملها] يعملون، ثم مسح ظهره وأخرج ذرية وقال: خلقت هَؤُلَاءِ للنار [وبعملها] يعملون، فقال رجل: ففيم العمل يا رسول اللَّه. وفي بعض الروايات: قال عمر: فلم نبعث؟ فقال: «يا بن الخطاب، كل ميسر لما خلق له».

  ورووا في حديث أبي هريرة: «أنه مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم عرضهم على آدم، وقال: هَؤُلَاءِ ذريتك، وأنه رأى نورًا ساطعًا، فقال: من هذا؟ فقال: هو داود، فوهب له من عمره أربعين سنة، فكتب ثم جحد فجحدت ذريته».

  وفي بعض الروايات أخذ مثل الذر فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى طائعين طائعين.

  ورووا أنه لا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ ميثاقه.