قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون 174}
  وفي بعض الأخبار: أنه أخرج من صفحة ظهره اليمنى ذرية بيضاء، وقال لهم: ادخلوا الجنة برحمتي، وأخرج من صفحة ظهره اليسرى ذرية سوداء وقال: ادخلوا النار، ولا أبالي، وذلك قوله: {أَصْحَاب اليَمِينِ} {وَأَصحابِ الشِّمَالِ}.
  واختلفوا في أي موضع كان، قيل: بعرفة، وقيل: بالهند، وقيل: في السماء، وقيل: بين مكة والطائف.
  وفي بعض الأخبار: قبض قبضتين وقال: ألست بربكم، ثم أعادهم في صلب آدم. وتأولوا الآية على ذلك.
  وقد ذكر مشايخنا رحمهم اللَّه أن ذلك فاسد، وأن ظاهر الآية يخالف ذلك، وذكروا في الرواية ما نذكره، قالوا: فمما يدل على فساده وجوه:
  منها: أنه لو كان هناك حال كما ذكروا لذكرناه؛ لأن مثل ذلك الأمر العظيم لا ينساه العاقل خصوصًا إذا كان إشهادًا عليه ليعمل به، ولا يغفل عنه.
  ومنها: ما ذكره شيخنا أبو علي أن ظهر آدم لا يسع هذا الجمع العظيم، وهذا من شنيع الكلام.
  ومنها: أنه - تعالى - ذكر أنه خلقنا من نطفة، وكل ولد من أب ومن نطفته، فلو خلقهم ابتداء لا من شيء لم يصح ذلك.
  ومنها: أن الجزء الواحد لا يجوز أن يكون حيًّا عاقلاً؛ لأن تلك البنية لا تحتمل الحياة، فلا بد من أن يكون مؤلفًا من أجزاء، وحينئذ لا يصح أن يكون الجميع في ظهر آدم.
  ومنها: أنه يفتح باب التناسخ، والقول بالرجعة؛ لأن لهم أن يقولوا: إذا جاز الإعادة ثَمَّ لِمَ ينكر التناسخ؟
  ومنها: أنه لا بد أن تكون فيه فائدة، وفائدته أن نذكره لنجري على تلك الطريقة، فإذا لم نذكره بطلت فائدته.