التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون 174}

صفحة 2777 - الجزء 4

  وَمِنْهَا: أن الاعتراف لا يصح إلا وقد تقدم حال لهم عرفوا ذلك، فكيف يصح في ابتداء الخلق؟!

  ومنها: أنه - تعالى - لا يجوز أن يخلق خلقًا للنار من غير عصيان سبق منهم؛ لأن ذلك يقبح.

  ومنها: أن قوله: «كل ميسر لما خلق له» تفسيره عندهم أن الكافر خلق للكفر، ويسر له الكفر، بأن خلق فيه ومنع من الإيمان، وهذا مما يقبح دينًا في الحكمة، فلا يجوز على القديم سبحانه.

  ومنها: أن حديث داود لا شبهة أن في الأنبياء من هو أفضل من داود فلم خصه بالهبة وكيف يجوز على آدم الإنكار والجحود؟، وكيف يوهب العمر مع أن الآجال لا تتقدم ولا تتأخر؟، فكل هذا مما لا يقبله العقل.

  قال مشايخنا - رحمهم اللَّه -: والآية ظاهرها بخلاف قولهم من وجوه:

  منها: أنه قال: «وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ» ولم يقل: من آدم، وقال: «مِنْ ظُهُورِهِمْ» ولم يقل: من ظهره، وقال: «ذرياتهم» ولم يقل: ذريته.

  ومنها: أنه قال: «أَنْ تَقُولُوا» يعني إنما فعل ذلك لكيلا لا يقولوا: إنا كنا عن هذا غافلين، وأي غفلة أعظم من أن جميع العقلاء [لا] يذكرون شيئًا من ذلك.

  ومنها: أنه قال: «إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ» ولم يكن لهم يومئذ أب مشرك، وكل ذلك يبين فساد ما قالوا.

  ولم يصحح. أحد من مشايخنا هذه الرواية ولا قَبِلَهَا، بل ردها غير أبي بكر أحمد بن علي، فإنه جوز ذلك من غير قطع على صحته، غير أنه قال: ليس ذلك بتأويل للآية، وذكر أن فائدة ذلك أن يجروا على الأعراق الكريمة في شكر النعمة، والإقرار بالربوبية كما قال: إنهم ولدوا على الفطرة، قال: وأخرجهم كالذر، ثم ألهمهم حتى قالوا: بلى.

  فإذا ثبت ما قلنا رجعنا إلى تفسير الآية، قوله: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ» الأخذ ما بينا