التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين 175 ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون 176 ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون 177 من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون 178}

صفحة 2783 - الجزء 4

  وقيل: لما تقدم ذكر أخذ الميثاق بيّن حال من آتاه اللَّه الآيات، فانسلخ منها ولم يتبعها.

  · المعنى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ» أي: اقرأ يا محمد على قومك «نَبَأَ» خبر «الَّذِي آتَيْنَاهُ» أعطيناه (آيَاتِنَا» قيل: اسم اللَّه الأعظم، عن ابن عباس والسدي. قال ابن زيد: وكان لا يسأل شيئًا إلا أعطي. وقيل: الآيات المعجزات الدالة على نبوة الأنبياء فلم يقبلها وغوى عنها، عن أبي مسلم، وعنده الكناية عن فرعون، فكأنه قال: اتل عليهم نبأ فرعون؛ إذ آتيناه الحجج الدالة على صدق موسى، فلم يقبلها، وقيل أوتي كتابا من كتب اللَّه يعني علمه، عن ابن عباس، وقيل: الآيات الإيمان والهدى والدين، عن الحسن. وقيل: العلم لطف له حتى تعلّم وفهم المعاني، وصار عالمًا بها، فارتد وأعرض، فقص خبره تحذيرًا عن مثل حاله، وقيل: النبوة، عن مجاهد، قال: هو نبي يقال له: بلعم، رشاه قومه، فكفر، وهذا لا يجوز؛ لأن الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر، ولأن ذلك ينفر الخلق عن الأنبياء والقبول منهم ويحقرهم في النفوس، ولأنهم حجج اللَّه على خلقه، واصطفاهم، فالأقرب أنه لا يصح، عن مجاهد. «فَانْسَلَخَ مِنْهَا» قيل: نزع العلم عنه، عن ابن عباس. وقيل: خرِج منها كما تخرج الحية من جلدها بعد أن لابسها، وقيل: لم يقبلها وأعرض عنها «فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ» قيل: تبعه الشيطان لذلك الضلال حتى انحبط به وتمسك بحبله، وقيل: أتبعه الشيطان يعني كفار الإنس، كانوا معه على الكفر، عن أبي علي. وقيل: صار رئيس الضلال حتى يُتَعَّلمَ منه الضلالة، وقيل: أتبعه: لحقه الشيطان، وأدركه حتى أضله «فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ» أي: صار من الغاوين، وقيل: الهالكين، وقيل: من الخائبين عن رحمة اللَّه، عن أبي علي. وقيل: كان من المتمردين الضالين، عن الأصم وأبي مسلم. «وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا» قيل: لو شئنا لرفعناه بالعلم والآيات بأن نحول بينه وبين الكفر، عن مجاهد وعطاء. فبين قدرته على ذلك ولكن خلى بينه وبين ما اختاره، وقيل: لو شئنا لعلمه وعمله وإيمانه لرفعناه إلى الثواب