التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين 199 وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم 200}

صفحة 2822 - الجزء 4

  فضل وأتوك به عفوًا فخذه، ولا تسألهم ما وراء ذلك، عن ابن عباس والسدي والضحاك والأصم، قالوا: وهذا قبل نزول فرض الزكاة، ثم نسخ بالزكاة وفرض أخذها طوعًا أو كرهًا، وقيل: بل هو الزكاة، وقيل: اعمل في دينك ودنياك بما يسهل عليك ولا تشق بجمع خير الدين والدنيا، أما الدين فتأخذ بالسهل دون ما يشق كصوم الوصال والخصاء ونحوه، وأما الدنيا فلا تشدد فيها ولا تحرص، فما أتاك سهلاً فخذه، وما لم يأتك سهلاً فدعه. وقيل: ما أتاك عفوًا من إيمان قومك فاقبله «وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» الذي أمرك اللَّه به «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» إلى الوقت الذي وعدك اللَّه بالنصر عليهم وهلاكهم، عن أبي مسلم. وقيل: خذ الطريق السهل بَيْنَ الغلو والتقصير، وأْمُر الناس بذلك؛ لأنه معروف، وأعرض عن الجاهلين ودَارِهِمْ ليقبلوا، «وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» قيل: بالمعروف، عن قتادة وعروة. وقيل: بكل خصلة حميدة، وقيل: لا إله إلا اللَّه، عن عطاء. «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» قيل: أراد الكف عن قتالهم، ثم نسختها آية السيف. وقيل: إذا دعوتهم وأقمت الحجة عليهم وأحسنت دعوتهم فلم يجيبوك، فأعرض عنهم صيانة لنفسك، عن أبي علي. وقيل: اهجرهم هجر استخفاف لا [هجر ترك، وقيل: لا تكافئهم] لسفاهتهم، عن الأصم. وقيل: اهجرهم هجرًا جميلاً بمداراة، عن أبي مسلم. والمراد بالجاهلين الكافرون يجهلون الدين «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ» أي: يعرض لك ويصيبك منه وسوسة على خلاف ما أمرت به، وقيل: يغضبك الشيطان غضبًا يصدك عن الإعراض عن هَؤُلَاءِ الجاهلين، وقيل: إذا أمرتهم بالمعروف فأساؤوا الرد فعرض لك من الشيطان عارض يضيق صدوك «فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» أي: اسْتَجِرْ بِاللَّهِ من نزغه إنه هو السميع العليم، سميع لقولهم واستعاذتك، عليم بما في ضمير كل أحد لا يخفي عليه شيء، عن أبي مسلم. وقيل: سميع دعاء من دعاه، عليم به وبما يستحقه وبمصالحه، عن أبي علي. وقيل: سميع لقول من استجار به، عليم بالسبيل الذي منع به أولياءه من الشيطان، عن الأصم.

  وقيل: في الآية وجه آخر: «خُذِ الْعَفْوَ» يعني محاسن الأخلاق في الدين والدنيا