قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين 199 وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم 200}
  وهو الإسلام «وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» أي: بما أخذته من الإسلام «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» فلا تتبع أهواءهم ولكنَ جادلهم ودعهم «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ» وسوسة بخلاف ما أمرت به «فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» ف «إِنَّهُ سَمِيعٌ» لقولك «عَلِيمٌ» بمصالحك، ينصرك على أعدائك ويظهر دينك.
  · الأحكام: في الآية تعليم من اللَّه لعباده من مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، وتدبير المصالح دينًا ودنيا ما يغني عن كل وعظ مع قلة هذه الأحرف عن الكتب المصنفة في مكارم الأخلاق؛ لأن الآية تشتمل على جميع ذلك في خاص نفسه، وفي معاملة الناس، وقوله: «خذ العفو» فبدأ بنفسه في الأخذ بالتساهل وذلك بين الغلو والتقصير؛ كي يسلم من هَمٍّ يعود إليه أو وجه يعود إلى غيره، فأمر بالتساهل ليزول هذان، ويأخذ بالأسهل في معاملته للناس وأولاده وأقربائه ومع أعدائه في قبول المعاذير، وكذلك يدخل فيه ترك التشدد في الدين، فلا تغلو ولا تقصر؛ لأن الحق بين الغلو والتقصير، وكذلك الرضا بما أوتي توكلاً على ربه ورِضًا بما ابتلي به، فيذهب الجزع ويكون شاكرًا صابرًا، فهذه جملة يطول تفصيلها.
  ثم بَيَّنَ - تعالى - من يَتَعَدَّى نَفْسَهُ إلى غيره من الأخلاق الشريفة من الأمر بالمعروف، فيدخل فيه كل معروف في دين أو دنيا عقلاً وشرعًا، ويدخل فيه النصيحة للناس، والدعاء إلى الدين، والهداية إلى منافع الدنيا، ولَمَّا كان الناصح لغيره كالمعرض لعداوتهم تلت بما يحتاج إليه في ذلك فقال: «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» بأن تسلك معهم طريقة السلامة فتقل العداوات والخصومات، فبذلك تتكامل للمرء منافع الدين والدنيا.