التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون 5 يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون 6 وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين 7 ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون 8}

صفحة 2857 - الجزء 4

  يجب له على عباده ألَّايشركوا به شيئا، فجعل ظفرهم حجة تبين الحق من الباطل ليعبدوا اللَّه حق عبادته، ويظهر دينه، عن الأصم. وقيل: ليعلي الإسلام، وقيل: ليحق وعده بالنصر «بِكَلِمَاتِهِ» بأمره إياكم بقتالهم؛ لأنه كان فيه هلاكهم، عن أبي علي. «وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ» أي: يستأصلهم، فلا يبقى منهم أحد؛ «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ» قيل: ليظهر الإسلام، ويبطل الكفر، وقيل: يحق وعده بالنصر لهم، فيظهر بعد أن كان مغلوبًا، ويبطل الباطل بالخذلان والقهر، فيذهب بعد أن كان ظاهرًا، وقيل: الحق القرآن، والباطل الشيطان، وقيل: إبطال الباطل بقتل أئمة الكفر، ورؤساء الضلالة.

  ومتى قيل: لِمَ كرّر: «يحق الحق»؟

  قلنا: قيل: تأكيدًا؛ لأنه أبلغ في التفهم، عن أبي مسلم، وقيل: أحدهما في إظهار النصر، والآخر في إظهار الدين. «وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» يعني كرهوا ظفر المسلمين، وإيقاعهم بالمشركين.

  · الأحكام: تدل الآية أن خروجهم كان بأمر اللَّه؛ لذلك أضافه إليه فوصفه بكونه حقًّا، وتدل على أن بعض المؤمنين كرهوا ذلك، وأن تلك الكراهة لم تكن مذمومة؛ إذ لو كانت كذلك لما كانوا مؤمنين.

  وتدل على جدال أجري بينهم لطلب رخصة لا لرد أمر؛ ولذلك ذكر أنهم عرفوا ذلك حقًا يعني الأمر به، والوعد بالنصر.