قوله تعالى: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام 11 إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان 12 ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب 13 ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار 14}
  فجوابنا: كان ذلك قبل الأمن والبشارة، وقيل: إنه - تعالى - بشرهم بنصرة رسوله وإظهار دينه، وهزيمة الكفار، ومع هذا كل واحد كان يخاف القتل والجراح.
  «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» وذلك أن المسلمين نزلوا على كثيب رمل ببدر تسوخ فيه الأقدام، وسبقهم الكفار إلى الماء، وأصبح المسلمون مُحْدِثِينَ ومُجْنبِين وأصابهم الظمأ، ووسوس إليهم الشيطان، فأرسل اللَّه عليهم المطر فشربوا، وتطهروا، ولبد الأرض، وزالت وسوسة الشيطان «لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ» من الجنابة والحدث «وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ» قيل: وسوسته وخطاياه، والرجز: الخطأ، عن الأصم. وقيل: أذاه لوسوسته: أنه قد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مُجْنِبِينَ، عن ابن عباس. وقيل: هو قوله: ليس لكم بهَؤُلَاءِ طاقة، عن ابن زيد. وقيل: هو الاحتلام ذلك يكون لوسوسة الشيطان، عن أبي علي. وقيل: وسوس إليهم بأنكم على هذا الرمل لا تمكنون من المقاتلة، ومع فقد الماء كيف تفعلون؟ «وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ» أي: يشد عليها ويقويها بالأمن وزوال الخوف، ذلك بالألطاف والبشارات والنصر الموعود «وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ» قيل: لتلبيده الرمل الذي لا تثبت عليه القدم، عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وأبي علي وجماعة. قال القاضي: وهو أشبه بالظاهر، وقيل: بالصبر، وقوة القلب الذي أفرغه عليهم حتى ثبتوا لعدوهم، عن أبي عبيدة وأبي مسلم. وقوله: «بِهِ» يرجع إلى الماء المنزل، وقيل: إلى ما تقدم من البشارة والنصر [على حسب] اختلافهم في التثبيت «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاِئكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ» أي: يلقي إليهم أني معكم بالمعونة والنصرة، أي: يفعل ذلك بكم، وليس يعني بذلك القرب في المقام؛ لأنه من صفات الجسم، يتعالى اللَّه عن ذلك. ويقال: فلان مع فلان؛ أي: ينصره ويعضده، وقوله: «مَعَكُمْ» يحتمل مع الملائكة إذ أرسلهم رِدْءًا للمسلمين، ويحتمل مع المسلمين كأنه قيل: أوحى إلى الملائكة أني مع المؤمنين