قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}
  قلنا: (من) ههنا بمعنى «الذي»، وهي تكون على أربعة أوجه: استفهام، وجزاء، وبمعنى (الذي)، وموصوفة، والموصوفة كقول الشاعر:
  فَكَفَى بِنَا فَضْلاً عَلَى مَنْ غَيْرَنَا ... حب النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِيَّانَا
  ويُقال: هل تختص (من) بمن يعقل؟
  قلنا: قيل: نعم، و (ما): لما لا يعقل، وهذا تقريب، وحقيقتها أنها لمن يعلم القبح والحسن؛ لأنا نقول في جواب (من خلقكم؟): اللَّه، وفي التنزيل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
  ويقال: لِم دخل في خبر (من) و (ما) الفاء، وأنت لا تقول: زيد فقائم؟
  قلنا: إنه جاء في (من) و (ما) و (الذي)؛ ليدل على أن الخبر يجب بوجوب معنى الصلة كقولك: الذي في الدار فله درهم، قال ابن السراج: طلب أنه أوجب الدرهم من أجل الكون في الدار.
  ويقال: لِم جاءت الجملتان بغير واو حرف العطف في قوله: «أولئك»؟
  قلنا: قال ابن السراج: لأنهما خبران عن شيء واحد. وقيل: لأن الضمير يربط الكلام الثاني بالأول، كما أن حرف العطف يربطه به: ألا ترى أنك تقول: مررت بزيد والناس يتراءون الهلال، جاز إسقاطه.
  · المعنى: ثم كذب تعالى اليهود في قولهم: «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً» وقال تعالى: {بَلَى} ليس الأمر كما قالوا، ولكن «مَنْ كسَبَ سَيِّئَةً» بمعنى اقترف معصية، واختلفوا في السيئة فقيل: من الشرك، عن مجاهد، وقيل: الذنوب التي وعد عليها النار، عن السدي، وهو الوجه؛ لعموم اللفظ. وقيل: الكبيرة الموجبة، عن الحسن وقتادة