التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 459 - الجزء 1

  «وَأَحَاطَتْ بِهِ» يعني أحدقت به من كل جانب، واختلفوا في معناه، قيل: سدت عليهم مسالك النجاة، وذلك دلالة على ما لا يغفر من الذنوب، عن ابن السراج. وقيل: دل بالإحاطة على معنى الكبيرة، عن أبي علي. وقيل: «أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» أي أوبقته ذنوبه، يعني أهلكته، عن الكلبي. وقيل: أحاطت بما له من حسنة فأحبطتها، عن ابن عباس. «خَطِيئَتُهُ» قيل: هي الشرك، عن ابن عباس وأبي العالية وابن زيد والضحاك. وقيل: الذنوب الكبيرة، عن الحسن وأبي علي. وقيل: هو الإصرار على الذنب، عن عكرمة ومقاتل وأبي مسلم.

  ومتى قيل: أليس السيئة والخطيئة بمعنى، فلماذا كرر؟

  قلنا: تقدير الآية: بلى من كسب سيئة وأحاطت به تلك السيئة، وخولف بين اللفظين؛ لأنه أحسن وأفصح.

  ويقال: أليس كل كبيرة محبطة، فما معنى: «وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ»؟

  قلنا: لأن الصغيرة سيئة، فشرط في استحقاق النار كونها كبيرة.

  «فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ» يعني يصحبون النار ويلازمونها «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» يعني دائمون أبدًا، عن ابن عباس والحسن وجماعة.

  · الأحكام: الآية تدل على أمور:

  منها: أن الكبيرة يستحق فاعلها النار.

  وتدل على الإحباط؛ لأن الإحاطة إذا لم يمكن حمله على الإحاطة بالجسم كان معناه الإحاطة بطاعاته. وأنه يحبطها.

  ويدل قوله: «فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ» على أنه لا يدخلها سواهم، وذلك يبطل قولهم في أطفال المشركين.

  ويدل قوله: «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» على دوام العقاب، فيبطل قول المرجئة.