التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون 24 واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب 25}

صفحة 2894 - الجزء 4

  أراد أنه أقرب إليه من حبل الوريد لا يخفى عليه منه شيء، وفيه تحذير شديد، عن قتادة. وقيل: أراد تبديل قلبه من حال إلى حال؛ لأنه مقلب القلوب، فكأنهم دعوا إلى الجهاد مع ضعف الحال، فخافوا كأنهم يساقون إلى الموت، وأعلمهم اللَّه أنه يبدل خوفهم أمنًا بأن يحول بينهم وبين ما يتفكرون فيه وبين الخوف الذي لحقهم في قلوبهم، عن الأصم. ولا يجوز حمله على المنع من الإيمان؛ لأن الظاهر بخلافه، ولأنه - تعالى - دعا إلى الإيمان، ووعد عليه، وأوعد على تركه، فلا بد أن يكون المجيب هو العبد لاستحالة أن يكون الداعي والمجيب واحدًا، واعلموا أنكم «إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» أي: تجمعون إلى الجزاء إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن أجل هذا تجب المبادرة إلى الطاعة والتوبة.

  «وَاتَّقُوا فِتْنَةً» قيل: عذابًا، عن ابن عباس وأبي مسلم. وقيل: اختبارًا [وبليَّةً] تصيبكم، عن الحسن. وقيل: ضلالة، عن ابن زيد. وقيل: هرجًا، وقيل: قحطًا.

  «لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» فيه قولان:

  الأول: أن معناه أنها تعم ولا تصيب الظالم خاصة، ثم اختلف هَؤُلَاءِ في معنى الآية، فقيل: هو العذاب، أي: لا يصيب ذلك الظالم خاصة يعني لا تفعلوا المعاصي، ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فإنكم إن لم تفعلوا عمكم العذاب، عن ابن عباس. وقيل: هو عذاب الاستئصال يصيب الظالم عقوبة وغير المكلف محنة وإتمامًا لأجله. وقيل: هو القحط إذا وقع بسبب الظلمة وانسداد الطرق تعم الخلق تلك المحنة، وقيل: هو الهرج إذا وقع دخل ضره على كل أحد.