التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون 83}

صفحة 464 - الجزء 1

  · الإعراب: يقال: ما موضع «تَعْبُدُونَ» من الإعراب؟ وبِمَ ارتفع لفظه؟

  قلنا: فيه أربعة أقوال: الأول: قال الكسائي: رفعه على: {أَنْ لا تعبدوا}، كأنه قيل: أخذ ميثاقهم بألا تعبدوا، إلا أنه لما أسقطت (أنْ) رفع الفعل كما قال طرفة:

  أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضَرَ الوَغَى ... وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي

  أراد أن أحضر، وكذلك عطف عليه (أَنْ)، وأجاز هذا الوجه الأخفش والفراء والزجاج وقطرب، وهو قول علي بن عيسى وأبي مسلم، وَحَذْفُ (أنْ) معنى قول أبي العالية، لأنه قال: أخذ ميثاقكم أن تخلصوا له، وألا تعبدوا غيره.

  والقول الثاني: موضعه رفع على أنه جواب القسم، كقولك: حَلَّفْتُهُ لا يقوم، وهذا حكاية على المعنى، وقد أجاز هذا الوجه المبرد والكسائي والفراء والزجاج، وهو أحد قولي الأخفش.

  والقول الثالث: قول قطرب، يكون في موضع الحال، فيكون موضعه نصبًا، كأنه قال: أخذنا ميثاقكم غير عابدين إلا اللَّه.

  والقول الرابع: قول الفراء أن يكون في موضع لا تعبدوا على النهي، إلا أنه جاء على لفظ الخبر كقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} فالرفع، والمعنى على النهي، قال الفراء: ويدل على أنه نهي قوله: «وَقُولُوا» «وَأَقِيمُوا».

  ويُقال: بم تتصل الباء في قوله: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، وعلام انتصب؟

  قلنا: فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: قال الزجاج: انتصب على معنى أحسنوا بالوالدين إحسانًا.

  والثاني: قيل: على معنى وصيناهم بالوالدين إحسانا؛ لأن اتصال الباء به أحسن، ولو كان على الأول لكان «وإلى الوالدين»، كأنه قيل: وأحسنوا إلى الوالدين.