التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون 83}

صفحة 465 - الجزء 1

  والثالث: قيل: بل هو على الخبر المعطوف على المعنى الأول، يعني بألا تعبدوا وتحسنوا.

  ويقال: لِمَ قال: «وَبِالْوَالِدَيْنِ»، وأحدهما والدة؟

  قلنا: لأن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا غُلِّبَ المذكر.

  ويقال: لِم خوطبوا ب (قولوا) بعد الإخبار؟

  قلنا: ذلك من شأن العرب إذا أرادت التصرف في الكلام، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} قال عنترة:

  شَطَّتْ مَزَارُ العَاشِقِينَ فَأَصْبَحَتْ ... عَسِرًا عَلَيَّ طِلاَبُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ

  «إِلَّا قَلِيلًا» نصب على الاستثناء.

  · المعنى: عاد الكلام بعد الوعد والوعيد إلى ذكر بني إسرائيل، فقال تعالى: «وَإذْ أَخَذْنَا مِيثاقَ بَني إِسْرَائِيلَ» يعني عهدهم. وقيل: الميثاق هو الأدلة من جهة العقل والشرع، وقيل: الوعيد المقرون بالأوامر والنواهي. وقيل: هو مواثيق الأنبياء $ على أممهم. وقيل: أخذنا عهدهم في التوراة، والميثاق العهد الشديد، عن ابن عباس. وقيل: إقرارهم لأنبيائهم، وقبولهم ما في كتابهم، عن الأصم وأبي علي، وقيل: العهد والميثاق لا يكون إلا بالقول، كأنه قال: أمرناهم ووصيناهم، وقلنا لهم، وأكدنا عليهم، «لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه» أي توحدونه وتخلصون له العبادة «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحسانا» يعني: ووصيناهم بالوالدين، برًا بهما وعطفًا عليهما «وَذِي الْقُرْبَى» ذوي القرابات «وَالْيَتَامَى» الأطفال الَّذِينَ ماتت آباؤهم «وَالْمَسَماكينِ» يعني الفقراء «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» قيل: فيه حذف أي: قلنا لهم: قولوا، عن أبي علي، وقيل: الميثاق لا يكون إلا كلامًا، كأنه قيل: قلنا: لا تعبدوا، وقولوا، واختلفوا في معنى «حسنا»،