التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور 43 وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور 44}

صفحة 2949 - الجزء 4

  سلم أمرهم بأن [أظهرهم على عدوهم]، عن ابن عباس. وقيل: سلمك من كيد العدو «إنَّهُ عَلِيمٌ بذَاتِ الصُّدُورِ» ولا يخفى عليه منه شيء «وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ» وإنما أضاف الرؤيا إلى النبي ÷؛ لأن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا حقًا، وإضافة رؤية العين إليهم يعني يُري المسلمين أن في الكفار قلة، قيل: لتصدق رؤياه، وقيل: ليجترئوا عليهم لأنهم لما التقوا ببدر قللهم في أعين المسلمين، قال ابن مسعود: قلَّوا في أعيننا حتى قلت لرجل بجنبي: تراهم سبعين رجلاً فقال: أراهم مائة فأسرنا رجلاً، فقلنا: كم كنتم؟ فقال: ألف «وَيُقَلِّلُكُمْ» أيها المؤمنون في أعين الكفار، وإنما قللهم في أعين الكفار لئلا يستعدوا لهم، ولا يجدُّوا في القتال، ولا يحذروا كل الحذر، وقيل: قللهم عند اللقاء؛ لتحرص كل فئة على قتال صاحبتها، فلما اختلطا قلَّل المشركين في أعين المسلمين، وكثرَّ المسلمين في أعين المشركين حتى جبنوا وانهزموا «لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا» كان في علمه من قتل الصناديد، وإعزاز دين الإسلام.

  وروى السدي أن أناسًا من المشركين قالوا: انصرفت العير فانصرفوا، فقال أبو جهل: الآن أدبر رأيكم لا ترجعوا حتى تستأصلوا محمدًا، ولا تقتلوهم بل خذوهم أخذًا إنما محمد وأصحابه أكلة جزور، فاربطوهم بالحبال، يقول ذلك من القدرة في نفسه حتى قتله اللَّه - تعالى - وقتل أصحابه.

  ومتى قيل: كيف قللهم في أعينهم؟

  قلنا: بغبرة تحجب أو بُعْد موضع مع ضعف الشعاع أو بعكس الشعاع