التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب 48}

صفحة 2957 - الجزء 4

  جهادهم، فقال سبحانه: «وِإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعمالَهُمْ» أي: حسّن إبليس للكفار قتالهم للمسلمين وتكذيبهم رسول اللَّه ÷، واختلفوا، فقال: زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة إنسان، وقوله الوسوسة؛ لأن الوسوسة قول خفي، عن الأصم والحسن وأبي مسلم، وإليه يميل قاضي القضاة، وقيل: ظهر في صورة سراقة بن مالك الكناني المدلجي في جماعة من جنده وقال لهم: هذه كنانة قد أتتكم نجدة، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه، قال: إني أرى ما لا ترون، عن ابن عباس والسدي وقتادة وابن إسحاق.

  قال شيخنا أبو علي: جعله اللَّه - تعالى - على صورة إنسان علمًا للنبي ÷ فيما يخبر به عنه.

  ومتى قيل: إذا غيّر صورته لبعض الكفار كانت مفسدة، فلمَ جوزه أبو علي؟

  قلنا: غيّر صورته معجزة له، ووجه الإعجاز تغيّر الصورة، وما أخبر به من رؤية الملائكة وإخبارهم بذلك ونكوصه، ولم يغيّر صورته ليدعو الكفار إلى قتال النبي ÷ والمسلمين؛ لأن ذلك كفر.

  ومتى قيل: كيف كانت معجزة ولم يعلموا به؟

  قلنا: إذا علموا من بعد أن سراقة لم يكن معهم علموا أن ذلك كان إبليس قادهم ثم خذلهم، وأن قوله صدق، فكانت معجزة ولطفًا في إسلامهم.

  ومتى قيل: كيف يكون شيطانًا وهو على صورة الإنس؟

  قلنا: غَيَّر ظاهره وأطرافه دون بنية حياته.

  ومتى قيل: إذا ظهر لهم بصورة سراقة وأجار لهم من بني كنانة زاد في جرأة الكفار فتكون مفسدة؟