التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون 55 الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون 56 فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون 57 وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين 58}

صفحة 2975 - الجزء 4

  صلة، والمعنى عاهدتهم «ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ» أي يبطلونه بالمخالفة «فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ» قيل: لا يتقون نقضه، وقيل: لا يتقون عذاب اللَّه «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ» أي ظفرت بهم وأدركتهم، وقيل: لقيتهم، عن الأصم. والأول الوجه وعليه الأكثر، «فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» قيل: نكل بهم تنكيلاً تشرد غيرهم مِنْ ناقضي العهد خوفًا منك، عن ابن عباس والحسن وقتادة - وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد. وقيل: افعل بهم ما يفرق به مَنْ خلفهم، عن الزجاج والأصم. وقيل: شرد بهم: سَمّعْ بهم، لغة قريش، قال الشاعر:

  أَطُوفُ بالأبَاطِحِ كُلَّ يَوْمٍ ... مَخَافَةَ أَنْ يُشَرِّدَ بي حَكِيمُ

  «مَنْ خَلْفَهُمْ» مَنْ وراءهم من الناس، وقيل: من يأتي خلفهم، وقيل: أهل مكة واليمن «لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» قيل: افعلوا ذلك رجاء منكم أن يذكروا عن أبي مسلم، قيل: وليذكروا عن أبي علي. والمعنى يتذكر أي: يعتبر بها أمثالهم فنكثوا بنقض العهد ليتذكروا ما فعل بناقضي العهد. «وَإِمَّا تَخَافَنَّ» يا محمد «مِنْ قَوْمٍ» بينك وبينهم عهد «خِيَانَةً» يعني نقض عهد بما ظهر منهم من آثار الغدو «فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ» أي اطرّح العهد إليهم بأن تعلمهم أن العهد مرفوع ثم تناجزهم «عَلَى سَوَاءٍ» أي على استواء في العلم بذلك فيكون علمه وعلمهم في المنابذة سواء [كي لا] يوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب، وقيل: إن خفت الغدر ممن هو في أمانك فلا تفعل مثل فعلهم ولكن أخبرهم بعزمك على نقض العهد حتى يظهر العلم بذلك على سواء، وقيل: إنهم جميعًا عندك على سواء في الخيانة، حكاه الأصم. وقيل: على عدل،