التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون 59 وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون 60 وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم 61}

صفحة 2984 - الجزء 4

  وقيل: هذا في أهل الكتاب والقتل للمشركين، وليس كذلك؛ لأن المشركين اسم للجميع.

  وقيل: إنه حكم ثابت في الشرع، ولذلك [وادع] أهل نجران بعد نزول آية القتال، وقد وادع الصحابة والتابعون من غير إنكار أحد، ولأن الإمام إذا علم المصلحة في ذلك للمسلمين أو خاف الكفار جاز أن يوادع بهذه الآية، وإذا كان بالمسلمين قوة لم يجز لقوله: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} والأمر بالجهاد لا يمنع منه؛ لأنه يحمل على من لا موداعة بينه وبين المسلمين، كما أن عن كان دمه خارج من الأمر بالقتل، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه وأكثر الفقهاء.

  وإذا جاز الموادعة مع الكفار فلم لا يجوز تسليم الإمامة حتى نكرتم تسليم الحسن الإمامة إلى معاوية، وتسليم أبي موسى إليه، وعزل أمير المؤمنين؟

  قلنا: كما لا يجوز تسليم النبوة لا يجوز تسليم الإمامة، ولكن اعتزل خوفًا على نفسه وشيعته، وللإمام أن يفعل ذلك، ولا يخرج من كونه إمامًا.

  فأما أبو موسى فأخطأ ولم يَصِرْ معاوية إمامًا ولا انعزل أمير المؤمنين؛ لأنه لم يحكم بكتاب اللَّه، ولو حكم به لكان يحكم لأمير المؤمنين ويعزل معاوية، ولكن اتبع هواه وخدع. فأما معاوية فلا يصلح للإمامة، مع ما ظهر منه من الفسق.

  (مسألة)

  وإذا وادع على مال، وأخذ به كفيلاً جاز، كما يجوز أخذ الجزية، وذلك المال بمنزلة الخراج موضع في بيت المال ولا خمس به.

  وقال الهادي: يخمس، فإن حاصروا قومًا من الكفار فبذلوا مالاً ليتصرف