التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم 67 لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم 68 فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم 69}

صفحة 2996 - الجزء 4

  ودخلت الفاء في قوله: «فكلوا» على تقدير: قد أجزت لكم الفداء فكلوا، عن الزجاج.

  · النزول: قيل: نزلت الآية في أسرى بدر قبل أن يكثر الإسلام، فلما كثروا قال: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} عن ابن عباس وقتادة.

  وقيل: فادوهم بأربعة آلاف.

  وعن أبي عبيدة وابن مسعود قالا: لما كان يوم بدر، وأتى رسول اللَّه بالأسرى، استشار النبي ÷ أصحابه فيهم، فقال أبو بكر: قومك وعشيرتك اسْتَبْقِهِمْ لعل اللَّه أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار. وقال عمر: كذبوك وأخرجوك من ديارك، قَدِّمْهُم لتضرب أعناقهم، فإن هَؤُلَاءِ أئمة الكفر، فقال ناس بقول أبي بكر، وقال ناس بقول عمر، فقال ÷: «مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم حيث قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ومثل عيسى حيث قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ومثلك يا عمر مثل نوح حيث قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ٢٦ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ٢٧}.، ومثل موسى حيث قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} وأمر بأخذ الفداء.

  قال ابن عباس: فلما كان من الغد جئنا إلى رسول اللَّه ÷ فإذا هو وأبو بكر يبكيان، فقلت: وما يبكيكما؟ فقال: أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، فأنزل الله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ ...» الآية.

  قال الأصم: وكان رسول الله ÷ إذا استشارهما واجتمعا، أخذ بقولهما، وإذا اختلفا شاور غيرهما أيضًا.

  وعن ابن إسحاق وابن زيد: أن عمر وسعد بن معاذ أشارا بالقتل، وكان عمر لا