التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير 72 والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير 73 والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم 74 والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم 75}

صفحة 3007 - الجزء 4

  · المعنى: ثم ختم السورة بقطع موالاة الكفار وإيجاب موالاة المؤمنين، وصنف الخلق خمسة أصناف:

  المهاجرون: وهم الَّذِينَ هجروا الديار والأموال، وبذلوا مُهَجَهُمْ، كل ذلك لأجل الدين.

  والثاني: الأنصار: وهم الَّذِينَ بذلوا الدور، وواسوا بالأموال، ونصروا رسول اللَّه ÷ والثالث: المؤمنين الَّذِينَ لم يهاجروا، وكانت الهجرة فرضًا في ذلك الوقت، فمن لم يهاجر لم يكمل إيمانه، فلا ولاية له، ولا [حظ] في القيامة إلا أن يستنصروا المؤمنين على الكفار، فيجب نصرتهم، إلا على قوم لهم عهد.

  والرابع: الَّذِينَ آمنوا وهاجروا بعد الرسول، فلهم ما للمؤمنين، وعليهم ما على المؤمنين؛ لأن الهجرة انقطعت بالفتح، وعن الحسن: إن هجرة الأعراب باقية، وقيل: الهجرة من دار الكفر والفسق إلى دار الإسلام والعدل واجبة عن الحسن، وهو مذهب القاسم # وله في ذلك تفصيل ذكره - في كتاب (الهجرة).

  والخامس: الكفار، فالواجب قطع موالاتهم، وإجراء أحكام الكفار عليهم، قال اللَّه سبحانه وتعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا اللَّه ورسوله «وَهَاجَرُوا» هجروا دار الكفر وعشيرتهم إلى دار الإسلام «وَجَاهَدُوا» قاتلوا أعداء الدين «بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي في سبيل دين اللَّه، وسماه سبيلاً؛ لأنه طريق ثوابه وجنته «وَالَّذِينَ آوَوْا» يعني الأنصار ضموا المسلمين إلى أنفسهم وجعلوا لهم مأوى يعني النبي ÷ والمهاجرين «وَنَصَرُوا» الدين، روي أنهم أسكنوهم منازلهم، وقسموهم أموالهم، ونصروهم على أعدائهم، وبذلوا المهج في نصرة الدين «أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»