التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين 1 فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين 2}

صفحة 3022 - الجزء 4

  ومتى قيل: لمن كان هذه المنة؟

  قلنا: فيه أقوال على ما ذكرنا:

  أولها: لمن له عهد، ومن لا عهد له.

  وثانيها: لمن له عهد قَلَّ أو كثر.

  وثالثها: لمن كان له عهد أكثر من أربعة أشهر.

  ورابعها: لمن كان عهده أقل، فأما إذا كان أكثر بقاه عليه.

  ومتى قيل: فما فائدة ضرب الأجل؟

  فجوابنا: لينتشر أن العهد مبنوذ، فلا يثبت المسلمون عند الحرب إلى نكث، وقيل: ليزدجروا ويؤمنوا، وقيل: أراد اللَّه - تعالى - أن يعم جميع الكفار بالجهاد، فعم المشركين بالبراءة، وأجلهم أربعة أشهر، وذلك لقوة الإسلام وتخويف الكفار، فلا يصح ذلك إلا بنقض العهود، وقيل: لما أراد النبي ÷ أن يحج من قابِلٍ أمر بتقدم النداء في البراءة لئلا يشاهد العراة ليلاً، وكان وعده بإجلاء الكفار عن الحرم.

  «وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ» قيل: اعلموا أن هذا الإمهال ليس بعجز لكن لمصلحة ولطف ليتوب من تاب، وقيل: تقديره: فسيحوا عالمين أنكم لا تعجزون اللَّه في حال، تخويفًا لهم، وقيل: اعلموا أن هذا الإمهال لأنه لا يخاف الفوت. واختلفوا في معنى (معجزين)، قيل: من الكفر، فاللَّه - تعالى - يُمَكّن منه نبيه، وقيل: أراد به لا يفوت منه مراده فيهم، وقيل: هو تحقيق وتحذير من الإصرار على الشرك «وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ» قيل: من لم يؤمن في هذه المدة فيخزيه اللَّه ويذله في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار، وقيل: من لم يؤمن يخزه اللَّه بعقابه.