التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم 5 وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون 6}

صفحة 3034 - الجزء 4

  «وَاحْصُرُوهُمْ» أي: امنعوهم من دخول مكة والتصرف في دار الإسلام «وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» أي: على كل طريق ومرقب لتقتلوهم وتأسروهم، وقيل: أراد به التغليظ على من نكث عهده عن الأصم. «فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ» قيل: أراد الإقرار بهما، وقيل: أراد به التغليظ عن الأصم. وقيل: لما ذكر مع التخلية الغفران ذكر مع التوبة الشرائع ونبه بالصلاة والزكاة على ما سواهما، وقيل: أراد أنه مع التوبة ويظهر الإسلام بفعل أركانها، وقيل: من لم يصلِّ ولم يؤد الزكاة يقاتل، وروي ذلك عن أبي بكر؛ لأن للإمام حقًا في الأخذ فإذا منعه حقه كان له المطالبة، ولهذا قال: (لو منعوني عناقًا أو عقالاً لقاتلتهم عليه)، وتأول هذه الآية، وروي أن عليًا - كرم اللَّه وجهه - احتج بالآية في قتال أهل البغي، وقيل: إن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة؛ لأنهم أنكروه فارتدوا فقتلهم واستباح مالهم، وهذا هو الوجه؛ لأن من أقر ولم يُؤَدِّ إن جاز قتله فلا يجوز استباحة ماله ولا سبيه «فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» قيل: دعوهم يحجوا معكم، وقيل: دعوهم يتصرفوا في ديار الإسلام لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقيل: خلوا سبيل من أمرتم بتخلية سبيله.

  والناس ثلاثة: مسلم، وذمي، وصاحب أمان، يخلى سبيلهم جميعًا عن قتادة.

  «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ» ممن أمرت بقتاله أي: استأمنك بعد الأشهر فأمنه «حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ» قيل: تقديره: استجارك أحد ليسمع كلام اللَّه فأمنه ليسمع ويعلم دلائل التوحيد، وتقوم عليه الحجة، وقيل: أراد سماع جميع القرآن، وقيل: أراد سماع سورة براءة؛ لأن فيها البراءة من المشركين والأمر بقتالهم ونبذ العهد إليهم، وقيل: أراد جميع الدلائل، وإنما خص القرآن؛ لأن معظم الأدلة فيه، وقيل: إنما يجب الإمهال ما لم يعلم أنه يطلب الخداع والمكر «ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ» قيل: تقديره: فإن آمن نال خير الدارين وهو منكم، وإن أبى فأوصله ديار قومه الَّذِينَ يأمنون فيها على أنفسهم ومالهم ثم بعد ذلك يجوز قتالهم وقتلهم «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلمُونَ»