التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون 85}

صفحة 474 - الجزء 1

  قلنا: فيه ثلاثة أقوال: قيل: معناه النداء، تقديره: يا هَؤُلَاءِ، وقيل: معناه التوكيد: لأنتم والخبر تقتلون، وقيل: هو بمعنى «الَّذِينَ»، وصلته تقتلون.

  وموضع «تَقْتُلُونَ» رفع إذا كان خبرًا، ولا موضع له إذا كان صلة، قال الزجاج: ومثله في الصلة قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} يعني: وما التي بيمينك، و {هَؤُلَاءِ} مبني على الكسر كَأَمْسِ.

  · المعنى: لَمَّا تقدم أخذ الميثاق من بني إسرائيل بَيَّنَ كيف نقضوا ذلك، وخالفوا، فقال تعالى: «ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ» يعني بني إسرائيل «تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ» يعني يقتل بعضكم بعضًا، قيل: تتعرضون للقتل «وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ» تعاونون «عَلَيهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» تجاوز الحد «وَإنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ».

  ويقال: الَّذِينَ فدوا من الأسارى هم الَّذِينَ أخرجوا أم غيرهم؟ وما معنى «تُفَادُوهُمْ»؟

  قلنا: للعلماء فيه ثلاثة أقوال: الأول: قيل: هم فريق واحد، وذلك أن قريظة والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج، فافترقوا فكانت النضير مع الخزرج، وقريظة مع الأوس، فإذا اقتتلوا عاونت كل فرقة حلفاءها، فإذا وضعت الحرب أوزارها فدوا أسراها، فعابهم العرب بذلك، وهذا معنى قول ابن عباس وابن زيد.

  وقيل: كان بنو إسرائيل إذا استضعفوا قومًا أخرجوهم من ديارهم، فيتوجه على هذا أن يفادوا غيرهم، وهو قول أبي العالية والمبرد، وقال: ليس الَّذِينَ أخرجوهم الَّذِينَ فودوا، ولكنهم قوم آخرون على ملتهم، فأنبههم اللَّه تعالى على ذلك، وقيل:

  ليس معنى تفادوهم تعطوا الفداء، ولكن معناه تأخذ الفداء، يعني يقاتل بعضكم بعضًا، فإذا أخذه أسيرًا أخذ الفداء، وتقديره: ثم أنتم تقتلون بعضكم بعضًا، وتخرجونهم من ديارهم، وتأخذون من الأسارى الفداء، وقوله: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ