التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون 85}

صفحة 475 - الجزء 1

  الْكِتَاب» ليس معناه أنهم يُخْرِجُونَهم وهو محرم، ويفدونهم، وهو واجب، وإنما يرجع ذلك إلى ما تقدم من بيان صفة محمد ÷ وغيره، عن أبي مسلم، «وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُمْ» يعني الإخراج محرم عليكم «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ» يعني كفروا ببعض ما في الكتاب ولم يظهروه، ولم يعملوا به، وآمنوا ببعضه، واختلف العلماء فيه فقيل: إخراجهم كفر، وفداؤهم إيمان، عن ابن عباس وقتادة وابن جريج، وقيل: يلزمكم الكفر ببعض الكتاب بهذا الصنيع، وقيل: أخذ اللَّه عليهم العهد بترك القتل، وترك الإخراج، وترك التظاهر عليهم، وَأَمَرَهُمْ بفداء أُسَرَائِهِمْ، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء، فقال مجاهد: إن وجدته في يد غيرك فديته، ثم تقتله بيدك، وقيل:

  يكفرون ببعض ما كتموا من أمر محمد ÷ وغير ذلك، عن أبي مسلم. «فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ» قيل: القتل والإخراج، وقيل: الكفر والإيمان الذي معهم، عن أبي القاسم، وقيل: القتل والإخراج والفداء، عن أبي مسلم «مِنْكُمْ» يعني من اليهود «إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» يعني ذلاً وصغارا، وقيل: إخراج بني النضير عن ديارهم، وقيل: قتل بني قريظة وسبي ذواويهم. «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ» يعني يرجعون «إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ» قيل: عذاب لا رَوْحَ فيه مع اليأس في التخلص، وقيل: أشد من عذاب الدنيا، عن الأصم، والأول أظهر وأزجر وأعم في الفائدة، وقيل: أشد منه لدوامه، عن أبي علي. «وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» تهديد لهم، بأنه عالم بسرائرهم، فيجازيهم على ذلك.

  · النزول: قيل: نزلت في بني قريظة والنضير، وقيل: عَامّ في بني إسرائيل.

  · الأحكام: الآية تدل على أن عذاب الدنيا لا يُسْقِطُ عذاب الآخرة.