التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون 23 قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين 24}

صفحة 3064 - الجزء 4

  وقيل: نزلت في جماعة ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بمكة، عن مقاتل.

  · المعنى: لما تقدم الأمر بترك موالاة الكفار، نهى في هذه الآية عن موالاتهم كائنًا من كانوا من قريب أو غيره، عن أبي مسلم. فقال سبحانه: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ» أرادوا الموالاة في الدين وهو التعظيم والمدح والذب عنه، وأن يحله محل نفسه، وقيل: بطانة وأصفياء تفشون إليهم أسراركم ويؤثرون المقام معهم، ويقعدون عن الهجرة «إِنِ اسْتَحَبُّوا» اختاروا «الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ» فيطلعهم على سرائر المسلمين وترك طاعة اللَّه لأجلهم «فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» العاصون، وقيل: الواضعون الولاية غير موضعها، فأمر بقطع العصمة إلا [عصمة] اللَّه وإلا استحق اسم الظلم «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ المتخلفين عن الهجرة والجهاد «إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ» في النسب «وَأزواجكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ» أقاربكم «وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا» اكتسبتموها وجمعتموها، وقيل: صبتموها عن قتادة. «وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا» وهو ضد الإنفاق «وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا» فسكنتموها، وقيل: القصور والمنازل عن السدي. يعني أبر وأخير حتى تركتم الجهاد والهجرة لأجلهم «فَتَرَبَّصُوا» انتظروا، وفيه وعيد عظيم وزجر شديد «حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ» قيل: العذاب إما معجلاً وإما مؤجلاً عن الحسن، وأبي علي. وقيل: بقضائه عن عطاء. وقيل: بالموت، وقيل: بالقيامة، وقيل: فتح مكة، عن مجاهد، ومقاتل. وقال بعضهم: هذا لا يصح؛ لأن الآية في سورة براءة نزلت بعد فتح مكة سنة تسع، والفتح كان سنة ثمان، عن الأصم. واللَّه أعلم.

  «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» قيل: لا يوجد لهم ثوابه ورحمته بأن يحكم