التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين 25 ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين 26 ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم 27}

صفحة 3069 - الجزء 4

  عدوكم، وقيل: روي أدى تلك المواطن ثمانون موطنًا عن أبي مسلم. وقيل: نصركم من وقت آدم إلى وقت محمد فلم يهلككم فيمن هلك وأخرجكم من خير أمة، حكاه الأصم وزيَّفه، قال: ليس بشيء «وَيَوْمَ حُنَينٍ» أي: وفي اليوم الذي قاتلتم بحنين، وقيل: هو وادٍ بين مكة والطائف عن قتادة. وقيل: هو واد إلى جنب ذي المجاز عن عروة بن الزبير. «إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ» وقيل: كانوا اثني عشر ألفًا، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وألفين من الطلقاء عن قتادة. وقيل: كانوا أحد عشر ألفًا وخمسمائة عن مقاتل. وقيل: كانوا عشرة آلاف، وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط عن الكلبي. والمشركون قيل: كانوا أربعة آلاف من هوازن وثقيف عن الكلبي. وقالوا: كانوا ستة آلاف عن الأصم. فأما إعجابهم فروي أن رجلاً من الأنصار يقال له سلمة بن سلامة قال: [لن نغلب] اليوم [عن قلة]، فساء رسول اللَّه قوله، وروي أن النبي قال ذلك، وليس بصحيح، «فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ» فئتكم «شَيئا» أي: لم تكفكم كثرتكم شيئا وأصله الإغناء إعطاء ما يرفع الحاجة أي: كثرتكم شيئًا، وأصله لم يعطكم شيئًا يرفع حاجتكم «وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ» أي: ليس فيها موضع يصلح لكم تفرون إليها من عدوكم مع كثرتكم ومع سعتها، وقيل: هو مثل لمن يبلغ الغاية في الحزن والخوف عن الأصم. «ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ» أي: انصرفتم وراءكم هاربين عن عدوكم منهزمين، فبين اللَّه - تعالى - أن الكثرة لا تغني، وإنما المغني نصر اللَّه كما نصركم في مواطن مع قلتكم، وخص يوم حنين بالذكر لما اجتمع من كثرتهم وما نالهم من الامتحان أولا ثم لما أتاهم النصر آخرا كان الظفر لهم، وقيل: هربوا