قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين 25 ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين 26 ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم 27}
  وبقي معه ثلاثمائة عن الكلبي. وقيل: بقي أربعون نفسًا منهم: علي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث، وابن أم [أيمن] وقتل يومئذ، وكان رسول اللَّه يكر على العدو ولا يألو على بغلته الشهباء أهداها له فروة الحذامي، وقيل: بقي معه العباس عن يمينه، وأبو سفيان بن الحارث عن شماله، وشيبة بن عثمان خلفه، عن الأصم. ولا شبهة أن أمير المؤمنين لم يفر وكان يقاتل القوم، وروي أن في ذلك قال علي شعره:
  قد قال إذا عمَّمني العمامة ... أنت الذي بعدي له الإمامة
  «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ» قيل: رحمته التي تسكن إليها النفوس، وقيل: السكينة الوقار عن الحسن. «عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا» يعني الملائكة، قيل: كانوا خمسة آلاف من الملائكة مسومين عن سعيد بن جبير. وقيل: كانوا ثمانية آلاف عن الحسن. وقيل: ستة عشر ألفًا عن عطاء. وقيل: لم تقاتل يوم حنين وإنما قاتلت يوم بدر خاصة ولكن أتتهم تشجيعًا ومددًا بالتنبيه والخاطر عن أبي علي. وقيل: حاربوا يوم حنين عن الأصم. قال القاضي: ولا يمنع إن جمعوا بين المحاربة وإلقاء الخواطر المقربة للنفوس «وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا» بالأسر والقتل وسلب الأموال مع الصغار والأولاد، وكان مع العدو مالهم ونساؤهم وذرياتهم فأسروا «وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» أي: استحقوا ذلك على أفعالهم «ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ» قيل: يلطف في توبته حتى يتوب، وعلقه بالمشيئة؛ لأن منهم من له لطف يصلح به ويتوب، فاللَّه - تعالى - يفعله، ومنهم من لا لطف له، وقيل: