التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون 30 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون 31}

صفحة 3093 - الجزء 4

  [أي كيف يصرفون عن الحق إلى الإفك الذي هو الكذب فكأنه قال لأي داع مالوا إلى ذلك القول]

  (من اليهود والنصارى، قالوا ما قال أوائلهم. عن [القتبي]. «قَاتَلَهُمُ اللَّه» تعجب وإنكار، وفيه أربعة أقوال: قيل: لعنهم اللَّه عن ابن عباس، وقيل: قتلهم اللَّه كقولهم: عافاه اللَّه أي: أعفاه اللَّه من السوء، عن ابن جريج. وقيل: إنه كالمقاتل لغيره في عداوة اللَّه، وقيل: هو تكليف لنا أي: العنوهم «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» قيل: كيف يصرفون عن الحق إلى الإفك والكذب، كأنه قيل: [لأي داع مالوا إلى ذلك القول]، وقيل: كيف يصرفون عن الحق إلى الضلال وهذا وإن كان لفظه بما لم يسم فاعله فليس يراد أن غيره فعل به وهو كقولهم: فلان معجب بنفسه.

  «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ» علماءهم «وَرُهْبَانَهُمْ» قراءهم، وقيل: الأحبار علماء اليهود، والرهبان علماء النصارى عن أبي علي. «أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ» قيل: سادة، وقيل: معبودًا، وقيل: بقبولهم منهم التحليل والتحريم خلاف ما أمر اللَّه - تعالى - فيما يروى عن النبي ÷، وهو قول أبي علي. وقيل: في طاعتهم في معاصي اللَّه، وقيل: معناه كالأرباب حيث أطاعوهم، كقوله: {حَتَّيَ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي: كالنار، وقيل: النصارى غلت في تعظيم علمائهم حتى سجدوا لهم «وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَم» يعني كما اتخذوا الأحبار والرهبان أربابًا كذلك اتخذوا المسيح بعطف خطأ منهم على خطأ، وكُفْرٍ على كفر.

  وعن عدي بن حاتم قال: انتهيت إلى النبي ÷ وهو يقرأ هذه الآية فقلت: يا رسول اللَّه إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يحرمون ما أحل اللَّه فتحرمونه، ويحلون ما حرم اللَّه فتحلونه»؟ قلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم».

  «وَمَا أُمِرُوا» يعني اليهود والنصارى «إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا» يعني معبودًا واحدًا