قوله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 41 لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون 42 عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين 43}
  «قَرِيبًا» أي: غنيمة حاضرة «وَسَفَرًا قَاصِدًا» يعني سفرًا سهلاً قريبًا متوسطًا من غير شدة ولا طول، وقيل: سفرًا قاصدًا يعني سفرًا قاصدًا أي غير شاق، وقيل: معنى قاصد:
  ذو قصد نحو قولهم: تَامِر ولَابِن [و] رامح، وقيل: طريق مقصود «فاعل» بمعنى «مفعول»، كقوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي: مرضية، و (ماء دافق) أي: مدفوق، وقيل: قريبًا متوسطًا، عن أبي مسلم. «لَاتَّبَعُوكَ» يا محمد «وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ» أي: المسافة، وقيل: هو السفر البعيد، عن قطرب. وسميت بذلك لأنه يشق على الإنسان، ثم أخبر المنافقين بأمر معيب لا يطلع عليه غيره - تعالى - فقال: «وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ» يعني إذا رجعتم إليهم يحلفون بِاللَّهِ كذبًا «لَوِ اسْتَطَعْنَا» قدرنا بالمال والنفس «لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ» أيها المسلمون، قيل: كانوا يستطيعون فحلفوا كذبًا عن الحسن، وقتادة، وابن إسحاق. «يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ» باليمين الكاذبة لما استحقوا من العذاب الدائم عليها، وقيل: يهلكون أنفسهم بما أسَرُّوه من الشرك والعمل بالباطل «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ» في أيمانهم «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ» قيل: عفا اللَّه عما أقدمت عليه من غير إذن اللَّه، فلم تؤاخذ بجرمه وهو إذنه للمنافقين لما اعتذروا إليه، وقال قتادة وعمرو بن ميمون: [شيئان فعلهما] رسول اللَّه ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه [الفدية] من الأسارى، فعاتبه اللَّه كما تسمعون، وقيل: جاؤوا يستأذنون في الخروج رياء وسمعة ابتغاء الفتنة فأذن لهم، فعوتب: لِمَ أذن لهم؟ «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا» في معاذيرهم وثباتهم، وقيل: إنه عظمه بافتتاح الكلام بالعفو، وإلا فإنه لم يقدم على معصية كما تقول لغيرك: عفا اللَّه عنك ما صنعت في حاجتي، وقيل: معناه: أدام اللَّه لك العفو «لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ» قيل: في الخروج لأنهم استأذنوا