قوله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين 46 لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين 47 لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون 48}
  يعني: المنافقين لو كان من عزمهم الخروج إلى الجهاد مع رسول اللَّه ÷ «لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً» أي: يهيئوا أهبة الحرب من الكراع والسلاح فتركهم ذلك يدل على أن عزمهم تخلف «وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ» أي: انطلاقهم وخروجهم إلى الغزو، وقيل: لأن خروجهم للخبال والفساد كُفْرٌ، واللَّه - تعالى - يكره الكفر ولا يريده، عن أبي علي.
  ومتى قيل: كيف كره خروجهم مع الأمر به ولا بد أن يقبح أحدهما؟
  قلنا: أمرهم ليخرجوا للنصرة، فلما كانوا يخرجون للتضرير والنفاق كره خروجهم ومنعهم عن الخروج؛ لأن خروجهم كان معصية ومنعهم اللَّه عنها، وكره ذلك.
  وقيل: لأنه كان يقع على وجهه الفساد في التحذير منهم حتى يضطرب أمر الناس، وكان فيهم الأشراف كعبد اللَّه بن أبيّ، والجد بن قيس وغيرهما، وهذا يدل على أن الاستئذان كان في الخروج والإذن من النبي ÷ أن في الخروج على ما ذهب إليه أبو مسلم؛ لأنه إذا كره اللَّه - تعالى - خروجهم وأراد قعودهم وأذن نبي اللَّه ÷ في قعودهم فلا عتب عليه، ولكن استأذنوا في الخروج تملقًا وإرادة الخبال، فأذن لهم ولم يعلم ضمائرهم، فعلم اللَّه - تعالى - ذلك من نياتهم ومنعهم من الخروج وكره خروجهم، وذكر أبو علي أن القوم استأذنوا في القعود وبِنِيَّتِهِم أنهم إن أذن لهم تخلفوا وإن لم يؤذن لهم خرجوا للخبال والفساد «فَثَبَّطَهُمْ» أي: منعهم وحبسهم «وَقِيلَ اقْعُدُوا» في بيوتكم، قيل: هذا كلام بعضهم لبعض، وقيل: بل من كلام النبي ÷ على وجه الوعيد والتهديد، وليس بأمر ولا إباحة، وقيل: بل أذن لهم