التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين 53 وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون 54 فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون 55}

صفحة 3151 - الجزء 4

  «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» اختلفوا في هذا التعذيب على قولين، منهم من قال: إنه في الدنيا، ومنهم من قال: إنه في الآخرة، واختلف كل منهم في تقدير الآية.

  فأما من قال: إن العذاب في الدنيا، قيل: تقديره: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا؛ لأنه - تعالى - لما كفروا نِعَمَهُ يريد أن يعذبهم في الحياة الدنيا يعني بأخذ الزكاة والنفقات، عن مجاهد، والحسن، والسدي. وقيل: بالمصائب، عن ابن زيد. وقيل: بالسبي وغنيمة الأموال، فلا يعجبك ذلك إذا كان هذا عاقبته، عن أبي علي. وقيل: هذا في المنافقين، والعذاب بها عندما يلقون الملائكة في وقت البشارة بالعذاب بسبب الأموال، فسمي ذلك تعذيبًا بالمال والولد توسعًا، وقيل: يعذبهم بالتعب في جمعها، والكد في حفظها، والكره في إنفاقها، والصبر على مكاره الأولاد، ثم يموتون كفارًا فيعاقبون، فهي فتنة لهم في الدنيا والآخرة، وقيل: بأمرهم بإخراج الحقوق منها وهو تعذيبهم، عن الزجاج. والإرادة على هذا، قيل: تعود إلى بقاء النعمة مع كفرهم ليكونوا في كدّ وعناء ثم يتركوه، عن أبي مسلم. وقيل: تعود إلى الإنعام عليهم.

  فأما من قال: إن التعذيب في الآخرة قال: في الآية تقديم وتأخير، أي: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا؛ لأنه - تعالى - يريد أن يعذبهم بسببها في الآخرة عن ابن عباس، وقتادة. والتعذيب بسببها قيل: لمنع حقوق المال،