التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم 71 وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم 72 ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير 73}

صفحة 3196 - الجزء 5

  رسول اللَّه، ÷: «أن اللَّه تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، رضواني، فلا أسخط عليكم أبدًا»، «ذَلِكَ» أي: ما تقدم ذكره «هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» الظفر بالنعمة، وإدراك كل منية، ولا نعمة أعظم منه.

  ويقال: لم كرر ذكر الجنات؟

  قلنا: قيل: تأكيدًا، وقيل: جنة للتنزه، وجنة للمسكن.

  ثم أمر تعالى بجهادهم فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُ» قيل: خطابٌ للرسول، والمراد به الأمة، وهو من الخاص الذي أريد به العام «جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ» قيل: جهادهم بيده، فمن لم يستطع فبلسانه وقلبه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه، عن ابن مسعود. وقيل: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان وترك الرفق، عن ابن عباس. وقيل: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين بإقامة الحدود، عن الحسن، وقتادة. وكانوا أكثر من يصيب الحدود، وقيل: جاهدوا المنافقين بتغليظ الكلام، عن الضحاك، وابن جريج.

  ومتى قيل: كيف نعلم المنافق؟

  فجوابنا: قيل: بخبر اللَّه تعالى، وقيل: بالأمارات، وإذا تيقن وظنهم منافقين، فيجب جهادهم بالقول والدعاء.

  «وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ» قيل: الغلظة سوء عشرتهم وتمييزهم من المخلصين، وقيل: إظهار سرائرهم، وقيل: زيادة وعظ باللسان وتهديد «عَلَيهِمْ» قيل: على المنافقين، وقيل: على جميع الكفار، والغلظة ترك الرفق والجهاد بما أمكن، وفي ذلك لطف لهم ليرتدعوا، ولطف للمؤمنين «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» أي: المرجع، وهو عذاب النار.