التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين 75 فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون 76 فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون 77 ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب 78}

صفحة 3206 - الجزء 5

  نعمل عمل أهل الصلاح بأموالهم من أعمال البر وصلة الرحم، وقيل: لنكونن من المؤمنين في طلب الأجر، عن أبي علي. «فَلَمَّا آتَاهُمْ» أعطاهم «مِنْ فَضْلِهِ» قيل: التجارة، وقيل: الغنم نتجت أغنامه كالدود حتى ضاقت الأودية، وقيل: هو عام في المنافقين وما آتاهم من الغنائم ونحوها، عن أبي علي وقيل: هو ما رزقهم من الأموال والتوسعة، عن أبي مسلم. «بَخِلُوا بِهِ» قيل: منعوا حق اللَّه ولم ينفقوه في شيء من البر، وقيل: لم يفوا بما نذروا «وَتَوَلَّوْا» أعرضوا عن الرسول والدين، وقيل: عن الوفاء بالعهد، عن الأصم. «وَهُمْ مُعْرِضُونَ» تأكيد لما تقدم «فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا» فيه قولان: الأول: بخلهم بأداء الواجبات، وإعراضهم عن أمر اللَّه أعقب نفاقًا في قلوبهم، عن الحسن، يعني: أدى إليها، كأنهم خلصوا عن النفاق بشيئين: البخل، والإعراض، كالأب يقول لابنه: أعقبك صحبة فلان ترك التعليم، وهذا قول الأصم، وأبي علي، وأبي مسلم، قال أبو مسلم: يعني أعقبهم هذا الفعل حيث ثبتوا عليه، فصار إلفًا لهم وعادة، فشق مفارقته.

  وقيل: لما تهاونوا بالوفاء بما عاهدوه، وبأمر اللَّه أَدَّاهم ذلك إلى الشك في الدين، فصاروا منافقين، وأداهم إلى الثبات على النفاق، وهو معنى قوله: «إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ»، عن أبي علي.

  وقيل: دعاهم البخل إلى أن كذبوا الرسول، وجحدوا؛ ليأمنوا مما كانوا يخافون من نكث العهد، ولم يكونوا منافقين فصاروا منافقين، عن الأصم.

  الثاني: أعقب اللَّه ذلك، ثم اختلفوا، فقيل: بحرمان التوبة كما حرم إبليس، عن مجاهد. ووجه هذا نصب الدليل على أنه لا يتوب أبدًا ذمًّا له وتهجينًا.

  وقيل: جازاهم وعاقبهم على نفاقهم، وجزاء الشيء قد يسمى باسمه، كقوله: {سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ}.

  ومتى قيل: فما ذلك الجزاء؟