التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين 90}

صفحة 489 - الجزء 1

  واشتروا بمعنى باعوا، عن السدي ومجاهد. «أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ» يعني القرآن ودين الإسلام المنزل على محمد ÷ «بَغْيًا» أي بالبغي، وأصله الفساد، وقيل: حسدًا وهم اليهود، عن أبي العالية والربيع والسدي. وقيل: طلبًا لشيء ليس لهم، ثم فسر ذلك بقوله: «أَنْ يُنَزِّلَ اللَّه مِنْ فَضْلِهِ» النبوءة والوحي «عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» قيل:

  تمنوا أن تكون النبوءة في ولد إسحاق، وهي تتبع المصلحة، وتتميز بالمعجز «فَبَاؤُوا» قيل: رجعوا، وقيل: حملوا «بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ».

  يقال: ما الغضب الأول؟ وما الثاني؟

  قلنا: فيه أقوال:

  الأول: غضب عليهم بكفرهم بعيسى، ثم غضبه لكفرهم بمحمد - صلى اللَّه عليهما، عن الحسن وعكرمة والشعبي وقتادة وأبي العالية.

  الثاني: بما تقدم من كفرهم بقولهم: عزير ابن اللَّه، ويد اللَّه مغلولة، وتحريفهم الكتاب، ثم كفروا بمحمد وما أنزل عليه، عن عطاء وعبيد بن عمير وأبي علي.

  والثالث: على التوكيد للمبالغة؛ إذ كان الغضب لازمًا لهم ويتكرر عليهم، عن الأصم وأبي مسلم.

  الرابع: الأول: لعبادتهم العجل، الثاني: كتمانهم صفة محمد ÷ وجحد نبوته، عن السدي.

  «وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِين» يعني يهينهم اللَّه بالعذاب، فأضاف الإهانة إلى العذاب لأنه سبب له توسعًا ومجازًا.

  · الأحكام: الآية تدل على أنه تعالى يبعث النبيّ ÷ من حيث يعلم أن المصلحة فيه، دون التشهي.

  وتدل على ذم من آثر الدنيا على الدين، وأنه قد خسر خسرانًا مبينًا.

  وتدل على أن العاصي يستحق العقاب والغضب بفعله، فتدل أن للعبد فعلاً، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في خلق الأفعال، وقد قال أبو الهذيل | لِحَفْصٍ الفَرْد: هل تعلم غير اللَّه وغير خلقه؟ قال: لا. قال: أفتغضب لأنه الله؟ قال: لا.