قوله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم 79 استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين 80}
  وتدل على أن الاستغفار للغير: طلب المغفرة والشفاعة له.
  وتدل على أن الكفار لا يغفر لهم ألبتَّة إذا ماتوا على الكفر، وكان يجوز عقلاً أن يغفر لهم، وأن يستغفر النبي ÷ لهم إلا أن الشرع ورد بأنه لا يغفر لهم ألبتة، وأن عذابهم دائم.
  ومتى قيل: ما الوجه فيما روي عن ابن عباسٍ والحسن وقتادة والضحاك أن النبي ÷ قال: «لأزيدَنَّ على السبعين» حتى نزل {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}.
  قلنا: الآية ليست للتخيير، وإنما هو منع الاستغفار لأجل كفرهم، والتعليل يدل عليه؛ لأنه علل بالكفر، وذلك يستوفي السبعين وما زاد عليه، وإنما ذكر السبعين للمبالغة، وأيضًا فإنه لا يجوز أن يحلف ويقول: «واللَّه لأزيدن»، ثم لا يفعل حتى ينزل القرآن؛ لأن فيه إيهام الكذب والتنفير، ولأنه لا يجوز أن يستغفر إلا بإذنه تعالى، ولا يجوز أن يأذن فيما لا يجيب، وفي الإجابة غفران للكافر، وذلك فاسد بالإجماع؛ لأن دعاء الرسول لا يجوز أن يجاب في السبعين، ويجاب فيما زاد عليه، وبهذه الجملة يبطل تعلق الشافعية بالآية في مسألة دليل الخطاب، وإن صح عن النبي، ÷ ذلك فتأويله أن الأصل جواز طلب الغفران، فإذا منع قدرًا فيهم بقيت الزيادة على الأصل.
  [و] وجه آخر: أنه دعا بشرائط الحكمة؛ رجاء أن يكون لهم لطفًا يصح وقوعه، فلما أيسه اللَّه تعالى كف عنه.