قوله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون 81 فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون 82 فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين 83}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى زيادة مخازيهم، فقال سبحانه: «فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ» الَّذِينَ تخلفوا عن رسول اللَّه لما أمرهم بالغزو، عن الأصم، وأبي علي. وقيل: أراد من خلفهم رسول الله ÷ وأمرهم أن يخرجوا في قوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}؛ لأنهم كانوا يخرجون للفساد والتضريب، فخلفهم رسول اللَّه ÷، ولو أراد من تخلف لقال: المتخلفين، عن أبي مسلم.
  ومتى قيل: كيف ذمهم، وهو أَمَرَهُمْ بالتخلف؟
  قلنا: إنما أمرهم لما علم من نفاقهم وخبث سرائرهم، وما أبطنوا عليه من التضريب والفساد وكان ينبغي أن يخلصوا ويخرجوا.
  «بِمَقْعَدِهِمْ» أي: بقعودهم «خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ» قيل: تخالفو المخالفة رسول اللَّه، عن قطرب وغيره. وقيل: قاموا بعده حين سار، عن أبي عبيدة «وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا» يعني المنافقين قال بعضهم لبعض، وقيل: قالوا للمسلمين ذلك ليصدوهم عن الغزو «لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ» أي: لا تخرجوا إلى الغزو سراعًا في هذا الحر طلبًا للراحة والدعة وعدولاً عن تحمل المشاق في مرضاة اللَّه، وقيل: تصوروا أن القعود يعقبهم راحة، والخروج لا يجدي معه منفعة، ولم يعلموا أن القعود يعقب النار، والخروج يعقب الجنة «قُلْ» يا محمد لهم «نَارُ جَهَنَّمَ» التي تصيرون إليها بالمخالفة «أَشَدُّ حَرًّا» روي عن النبي ÷: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، وقد ضربت بماء البحر مرتين كي ينتفعوا بها ويدنوا منها». «لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ» أي: لو كانوا يعلمون الوعيد لمن أقدم على القبيح، وقيل: لو علموا أنهم بالتخلف صائرون إلى النار، عن أبي علي. وقيل: لو [يعلمون سوء] اختيارهم، وقيل: لو [علموا نار] جهنم وأهوال القيامة «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا»