قوله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون 81 فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون 82 فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين 83}
  تهديدٌ لهم، أي: فليضحكوا ما شاؤوا في الدنيا فإنه قليل، فإنهم يبكون في الآخرة كثيرًا، ولا ينقطع أبدًا، عن ابن عباس. وتقديره: فسيبكون كثيرًا في النار. عن رسول اللَّه ÷: «لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، ولما ساغ لكم الطعام والشراب» «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» من الأعمال القبيحة «فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ» يقال: ردك اللَّه تعالى يا محمد سالمًا «إِلَى طَائِفَةٍ» جماعة «مِنْهُمْ» ممن تخلف عنك، وإنما قال طائفة؛ لأنه ليس كل من تخلف عن تبوك كان منافقًا، بل كان فيهم منافق وفيهم من تخلف لعذر، عن الأصم. «فَاسْتَأْذَنُوكَ» طلبوا إذنك ليخرجوا معك إلى غزاة أخرى «فَقُلْ» لهم يا محمد «لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا» ما بقيت في سفر ولا غزو «وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا» عقوبة لهم على تخلفهم، قيل: إنه نهي عن الخروج والقتال، وقيل: بل هو خبر عن حالهم أنهم لا يفعلون ذلك ما بقي هو «إِنَّكمْ» أيها المنافقون «رَضِيتُمْ بالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» في غزوة تبوك «فَاقْعُدُوا» تهديد وليس بأمر، وقيل: إنه أمر لما علم أَن في خروجهم مفسدة «مَعَ الْخَالِفِينَ» قيل: مع المنافقين الَّذِينَ تخلفوا من غير عذر، عن ابن عباس، فاقتدوا بهم واهتدوا هداهم، وقيل: مع النساء والصبيان، عن الحسن، وقتادة، والضحاك. وقيل: مع العميان والزَّمْنَى، عن الأصم. وقيل: مع من تخلف لمرض وزمانة ونقص، عن أبي علي. وقيل: مع السفلة وأهل الفساد، وقيل: مع الخالفين.
  · الأحكام: تدل هذه الآية على أن السرور بالمعصية فعل أهل النفاق ومن يقتدي بهم، وذلك مذموم يؤدي إلى النار، فلا ينبغي للعاقل أن يفرح بذلك.
  وتدل على أن الثقة بالوعيد تخفف تحمل المشاق في الطاعة والتحرز من القبيح، وأن من اختار راحة الدنيا على عذاب الآخرة خسر خسرانًا مبينًا.