قوله تعالى: {إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون 93 يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 94 سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون 95 يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين 96}
  هذه المعاذير «وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ» هذا وعيد لهم، يعني أن اللَّه تعالى يطلع عليهم، فيعلم ما يفعلون، ويطلع رسوله على أسرارهم، فيجازيكم بحسب أعمالكم، وقيل: معناه إن أحسنتم مدحتم، وإن أسأتم افتضحتم، وإنما قال: «وسيرى»؛ لأنه لا يحل في الظهور محل ما يرى، وقيل: يراهم عاملين، وقيل: سيرى في مستقبل أيامكم ما يوجد منكم من موالاة الرسول ومعاداته، وإقامتكم على النفاق، ورجوعكم عنه «ثُمَّ تُرَدُّونَ» يعني ثم يقع الجزاء عند الرد يعني الرجوع «إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» في هو مصيرهم إلى القيامة «فَيُنَبّئُكُمْ» يخبركم بأن يجازيكم «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» من الطاعة والمعصية «سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ» أي: يحلفون بِاللَّهِ كذبًا «إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيهِمْ» انصرفتم من الغزو «لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ» إعراض صفح فلا تؤنبوهم «فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ» إعراض استخفاف وإهانة، وقيل: أَعْرِضْ عنهم، فلا تذكر كفرهم وكذبهم، ودَعْهُمْ وما أصابوا «إِنَّهُمْ رِجْسٌ» قيل: معناه: لا تشتغل بهم، فإنهم بلغوا في الخزي مبلغًا لا مطمع فيهم، وهمْ كالرجس إذا أردت معالجته ازداد نتنًا، وقيل: إنهم أَخِسَّة، وقيل: عملهم نجس، عن عطاء. وهذا أيضًا توسع يعني: يجتنب كما تجتنب النجاسة «وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ» يعني: مصيرهم في الآخرة جهنم، بَيَّنَ أنهم يموتون على الكفر «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ» يعملون المعاصي، وقيل: معناه جزاؤهم جهنم إن لم يتوبوا، والأول أصح «يَحْلِفُونَ لَكُمْ» كذبًا «لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ ترْضَوْا» أيها المؤمنون بالظاهر وبمعاذيرهم الكاذبة «فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى» عنهم «عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ»، لأنه علم باطنهم، وأن ما انطووا عليه هو الكفر، {الْفَاسِقِينَ} الخارجين عن الطاعة والدين وهم المنافقون، وقيل: مع كفرهم فساق، والرضا من اللَّه تعالى على وجهين: رضا عن الفاعل، ورضا بالفعل، والأول: إرادة مدحه وتعظيمه، والثاني: إرادة إيجاده.