التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم 97 ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم 98 ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم 99}

صفحة 3239 - الجزء 5

  عَلِيمٌ» بما أنزل «حَكِيمٌ» في إنزاله على من أنزله، وقيل: عليم بما يأتي العباد من طاعة ومعصية، حكيم فيما أنعم عليهم، واحتج، عن الأصم. وقيل: عليم بما يسرون، ويعلنون، حكيم في مجازاتهم على الجميع «وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا» وصف الأولين بالكفر والجهل، وهَؤُلَاءِ بالكفر والبخل، ومعنى مغرمًا: غرمًا، قيل: لا يرجون عليه ثوابًا، ولا على تركه عقابًا، إنما أنفقوا خوفًا ورياءً، فعدوه مغرمًا «وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ» يعني: ينظر صروف الزمان، وتقلب الأحوال بكم حتى تصيروا إلى الذل بعد العز، فيشمتوا بكم، وقيل: ينظرون موت الرسول، وبطلان دينه، وإظهار دين المشركين، وقيل: ينظرون ظفر الكفار بكم ليستأصلوكم، فلهذا ما بلوهم، فَبَيَّنَ تعالى بشارة لرسوله أن ما ينتظرون بكم لا يرونه أبدًا، بل ينقلب عليهم، فقال سبحانه: «عَلَيهِمْ» أي: على هَؤُلَاءِ المنافقين «دَائِرَةُ السَّوْءِ» يصيرون إلى ذل، والمؤمنون إلى عز، وقيل: دائرة السوء الهلاك والعذاب، وقيل - بالضم -: البلاء والشر، واختلفوا، فقيل: إنه خبر عن عواقب القوم، فلا بد أن يكون مخبره على وفق خبره، وقيل: دعاء عليهم فلا بد أن ينزل بهم «وَاللَّهُ سَمِيعٌ» لأقوالهم، «عَلِيمٌ» بضمائرهم، وقيل: «سَمِيعٌ» لما يتناجون «عَلِيمٌ» بما يصيرون إليه، عن الأصم.

  ثم بَيَّنَ الأعراب المؤمنين الَّذِينَ يدينون بالحق، ويخلصون الدين، فقال سبحانه: «وَمِنَ الأعرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» يعني القيامة؛ لأنها تتأخر عن الدنيا «وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ» يعني: يتقربون إلى اللَّه بإنفاقهم المال في سبيله، ويتخذون «وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ» قيل: دعاؤه بالخير والبركة، عن قتادة. وقيل: استغفاره لهم، عن ابن عباس، والحسن. وقيل: قبوله عنهم، وقيل: أراد: يتخذون الإنفاق للقربة وصلوات الرسول، عن أبي علي. «أَلاَ إِنَّهَا» نفقاتهم في سبيل اللَّه، وقيل: قرباتهم وصلوات الرسول «قُرْبَةٌ لَهُمْ» أي: تقربهم من اللَّه «سَيُدْخِلُهُمُ اللَّه فِي رَحْمتِهِ» أي: جنته «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» كثير المغفرة لمن تاب «رَحِيمٌ» يرحمهم ويدخلهم الجنة.