التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم 102 خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم 103 ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم 104}

صفحة 3251 - الجزء 5

  رجع رسول اللَّه مر بهم، فرآهم على تلك الحال، فسأل عنهم، فَأُخْبَر بذلك، فقال: «لا أطلقهم حتى أومر بإطلاقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين»، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا»، فأطلقهم رسول اللَّه وعذرهم، فقالوا: يا رسول اللَّه، هذه أموالنا التي خَلَّفَتْنا عنك، فتصدق بها، وطهرنا، واستغفر لنا، فقال، ÷: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا» فأنزل اللَّه تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً» فلما نزلت توبتهم قال الَّذِينَ لم يتوبوا: هَؤُلَاءِ كانوا معنا بالأمس، لا يُكَلَّمون، فما بالهم اليوم؟، فنزل: «ألم يعلموا ...» الآية، عن جماعة من المفسرين.

  واختلفوا في عدد القوم، فقيل: كانوا عشرة، منهم أبو لبابة، عن ابن عباس.

  وقيل: كانوا ثمانية، منهم هلال بن أمية وأبو لبابة وغيرهما، عن سعيد بن جبير، وزيد بن أسلم.

  وقيل: كانوا سبعة، منهم أبو لبابة وجد بن قيس، عن قتادة، والضحاك.

  وقيل: كانوا خمسة، منهم أبو لبابة، عن ابن عباس.

  وقيل: نزلت في أبي لبابة خاصة، عن جماعة من المفسرين. ثم اختلفوا، فقال مجاهد: نزلت فيه حين قال لبني قريظة: إن نزلتم على حكمه فهو الذبح، وأشار إلى حلقه، ثم تاب، وربط نفسه في سارية، وحلف لا أحل نفسي، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت، أو يتوبَ اللَّهُ عليَّ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه، فنزلت الآية، فأخبر بذلك، فأبى أن يحل نفسه حتى يحلها رسول اللَّه ÷، فجاء رسول اللَّه، وحله بيده، فقال: يا رسول اللَّه، إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي صدقة، فقال: «يجزيك يا أبا لبابة الثلث» قالوا: «وأخذ رسول اللَّه ÷ ثلث أموالهم وترك الثلثين».

  قال أبو علي: وما فعله أبو لبابة من التشديد ليس بشرط في قبول التوبة، فإن كان تعبدًا فهو تشديد محنة وتكلف، حيث علم تعالى أنه أصلح لهم.