التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم 113 وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم 114}

صفحة 3275 - الجزء 5

  الأول: قالوا: نزلت في شأن أبي طالب، ثم اختلف هَؤُلَاءِ، فقيل: إن أبا طالب لما حضره الموت دخل عليه النبي ÷، وعنده الملأ من قريش، فقال: «يا عم، إنك أعظم الناس عليَّ حرمة، وأحسنهم عندي يدًا، فقل كلمة تجب لك بها شفاعتي يوم القيامة، قل: لا إله إلا اللَّه»، فنهاه أبو جهل وأمثاله عن ذلك، فكان آخر ما تكلم به أن قال: أنا على ملة عبد المطلب، فقال ÷: «لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ»، فنزلت الآية، عن سعيد بن المسيب.

  وقيل: قال النبي ÷: «استغفر إبراهيم لأبيه، وأنا أستغفر لعمي - لأبي طالب - حتى ينهاني ربي»، وقال أصحابه: نحن نستغفر لآبائنا، فنزلت الآية، عن عمرو بن دينار.

  وقيل: استغفر له بعدما مات، واستغفر المسلمون لآبائهم، فنهوا عن ذلك، ونزلت الآية، عن محمد بن كعب.

  وقيل: هذا لا يصح؛ لأن أبا طالب مات بمكة، وبراءة من آخر ما نزل بالمدينة، ولأنه # لا يستغفر إلا بإذن، وإذا أُذِنَ يجاب، ولا يجوز ألا يجاب لما فيه من التنفير، ولأنا بَيّنا من قبل ما يدل على أن أبا طالب مات مسلمًا، فلا يصح حمل الآية على ما قالوا.

  الثاني: أنها نزلت في بيان أبويه لما أراد أن يستغفر لهما، ثم اختلف هَؤُلَاءِ، فقيل: لما قدم النبي ÷ مكة أتى قبر أمه، ووقف رجاء أن يؤذن له، فيستغفر لهما، فنزلت الآية، فقام وبكى وبكى من حوله، وقال: «استأذنت ربي أن أزورهما فأذن، واستأذنته أن أستغفر لهما فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الآخرة»، عن أبي هريرة، وبريدة.

  وقيل: أتى قبر أمه ودعا لها، فنزلت الآية، فقال ÷ لجبريل: «إن إبراهيم استغفر لأبيه» فنزلت: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} الآية، عن الأصم، وهذا أيضًا فيه نظر؛ لما بَيَّنَّا أنه ÷ لا يستغفر إلا بإذن.

  الثالث: أنها نزلت في غيره، ثم اختلفوا، فقيل: كانوا يستغفرون لأمواتهم المشركين، فنزلت الآية عن ابن عباس.