التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم 113 وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم 114}

صفحة 3277 - الجزء 5

  بشرط الإيمان كما فعله إبراهيم، وهذا غير ممنوع منه، فإذًا الصحيح أنه لم يفعل ذلك، ونهي عن ذلك، وإن لم يتقدم منه فعل «وَلَوْ كَانوا أُولِي قُرْبَى» أي: أولي قرابة، وإنما خص الأقرباء؛ لأن القلب لهم أرق، والشفقة عليهم أكثر، وأمورهم لهم «مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ» يعني [بعد] ما ظهر كفرهم؛ لأنه يجوز أن يستغفر لهم على ظاهر إيمانهم، فإذا تبين نفاقهم وكفرهم لا يجوز أن يستغفر لهم، وأصحاب الجحيم الملازم للنار دائمًا.

  ثم بَيَّنَ قصة إبراهيم وعذره، فقال سبحانه: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ» آزر، قيل: آزر أبوه، وقيل: عمه، وليس بشيء؛ لأن قول اللَّه أصدق «إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ» قيل: وعد إبراهيم بالاستغفار ما دام يطمع في إيمانه على ما يجوز في الشرع، والهاء في قوله: «إِيَّاهُ» ترجع إلى آزر، وقيل: وعَدَهُ أبوه أنه يؤمن إن استغفر له، والهاء في «إِيَّاه» على هذا راجعة إلى إبراهيم، وهذا يوافق قراءة الحسن، وكيف دعا، فقيل: كان يقول: «اللَّهم اغفر له إن وفى بما وعد». وقيل: كان يدعو مطلقًا، وكان ذلك جائزًا في شريعته إذا وعد أنه يؤمن، أو يرجو إيمانه، ويكون لطفًا له. وقيل: كان ينافق إبراهيم، فيظهر الإيمان ويبطن الكفر، فلما تبين نفاقه تبرأ منه «فَلَمَّا تَبَيَّنَ» أي ظهر لإبراهيم «أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ» قيل: بموته على الكفر، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: باليأس منه بأمارات ظهرت وَوَعْدٍ لم يف به، عن أبي علي. وقيل: بإخبار اللَّه بنفاقه «تَبَرَّأَ مِنْهُ» أي: أظهر البراءة وقطع العصمة والموالاة وترك الدعاء والاستغفار «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» قيل: الخاشع المتضرع، عن النبي ÷ فيما رواه عبد اللَّه بن شداد بن الهاد. وقيل: التواب، عن ابن عباس. وقيل: الدَّعَّاءُ، عن ابن مسعود، وعبيد بن عمير، والضحاك، ورواه الأصم عن النبي ÷. وقيل: الرحيم بعباد اللَّه، عن الحسن، وقتادة، ونحوه عن ابن مسعود. وقيل: المؤمن عن مجاهد، والضحاك. وقيل: من إذا ذكر اللَّه أوَّه، عن كعب. وقيل: المتواضع المتضرع إلى ربه خوفًا وإشفاقًا، عن أبي عبيدة. وقيل: الكثير الذكر لله سبحانه، عن عقبة بن عامر. وقيل: الأواه: الفقيه، عن النخعي. وقيل: الذي يتأوه من الذنوب