التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون 122 ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين 123 وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون 124 وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون 125}

صفحة 3297 - الجزء 5

  الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا» بأجمعهم في نواحي الأرض إلى رسول اللَّه، ÷ ليتعلموا الدين، ويخلوا ديارهم، عن أبي علي. وقيل: ما كان لهم أن يخرجوا كلهم إلى الغزو مع رسول اللَّه ÷ ويخلوا ديارهم، عن الأصم. «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ» أي: هلا خرج، و (لولا) كلمة إغراء «مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ» أي: جماعة «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» أي ليتعلموا أمر الدين وأحكام الشريعة «وَلِيُنْذِرُوا» يخوفوا «قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ» اختلفوا في معنى الآية على وجوه: قيل: التفقه والإنذار راجعة إلى النافرة، يعني النافرة الفرقة المتفقهة في الدين، بمعنى: ينتصرون بما يريهم اللَّه من الظهور على المشركين ونصرة الدين، ثم ينذرون قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد، فيخبرونهم بنصر اللَّه لرسوله، وأنه لا طاقة لهم بقتال النبي ÷ والمؤمنين ليحذروا قتالهم، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار، عن الحسن، وأبي مسلم، قال أبو مسلم: اجتمع للنافرة ثواب الجهاد، والتفقه في الدين، وإنذار قومهم بأن يخوفوهم على القيام على الكفر والقعود مع النبي ÷ مع الاستطاعة.

  وقيل: إن التَّفقه راجع إلى الباقية لا إلى النافرة، وتقديره: ما كان لهم أن يخرج كلهم في السرايا، ولكن تنفر طائفة، وتبقى طائفة تحضر النبي ÷ يتفقهون في الدين، فإذا رجعت النافرة أنذرتهم الباقية، ويعلمونهم ما نزل من الأحكام في غيبتهم، عن قتادة.

  وقيل: النافرة والمتفقهة المنذرة واحد، وتقديره: ما كان لجميع المؤمنين أن ينفروا إلى النبي، ÷ ويخلوا ديارهم، ولكن تنفر طائفة من كل ناحية إليه لتسمع كلامه، وتتعلم الدين ثم يرجعوا إلى قومهم، فيبينوا لهم ذلك، وينذروهم ليحذروا، عن أبي علي. وهو الوجه؛ لأن المراد بالنفر الخروج لطلب العلم، وسماه نفرًا لما فيه من مجاهدة أعداء الدين؛ لأن الصحابة كانت لا تخرج إلا بإذنه إلى السرايا، وكانوا لا يتركونه وحده، ولأنه لا يتناول الجهاد بالسيف؛ لأن هناك لم يقبل عذرًا ليمكن عن