التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون 126 وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون 127 لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم 128 فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 129}

صفحة 3303 - الجزء 5

  ثم اتصل بذكر الرسول بإنزال القرآن، ثم ختم عقيب الاحتجاج والبيان بأنهم إن تولوا فقل: حسبي اللَّه.

  · المعنى: «أَوَلا يَرَوْنَ» قيل: أَوَلاَ يعلم هَؤُلَاءِ المنافقون، والرؤية بمعنى العلم، وقيل: الرؤية بمعنى الإدراك بالبصر «أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ» أي: يمتحنون «فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَينِ» دفعتين أو دفعة، كأنه قيل: أوَلا يرون أنهم يختبرون في كل عام بما هو زاجر، ثم لا ينزجرون، واختلفوا في هذا الامتحان، فقيل: بالجهاد مع رسول اللَّه، وما يرون من نصرة اللَّه لرسوله، وما ينال أعداءه من القتل والسبي حتى يستعلي على كل من ناوأه، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، والأصم. وقيل: بالقحط والجوع، عن مجاهد. وقيل: بهتك أستارهم وما يظهرون من هتك أستارهم، وسوء نياتهم وخبث سرائرهم، عن مقاتل، وأبي مسلم. وقيل: بالأمراض والمصائب التي تنزل بهم، عن عطية، وأبي علي. وقيل: يكذبون كذبة أو كذبتين يضلون منه، ثم لا يتوبون، عن حذيفة. وقيل: ينافقون ثم يتوبون ثم ينافقون، عن عكرمة. وقيل: ينقضون عهدهم مرة أو مرتين، وقيل: بالبلاء والغلاء ومنع القطر وذهاب الثمار، عن الضحاك. «ثُمَّ لا يَتُوبُونَ» أي: لا يرجعون عن نفاقهم «وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ» لا يتدبرون فيها «وِإذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» من القرآن، قيل: فيها فضائح المنافقين، وهتك أستارهم، وقيل: فيها الأحكام، وقيل: سورة في أي باب نزلت، وهو الوجه لعموم اللفظ «نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» قيل: نظر مرتاب منكر كراهية الاستماع، وقيل: نظر تعنت وطعن، وقيل: نظر معجب مكذب، وإنما أعجبوا، قيل: لأنه يخالف ما ألفوه من الكفر، وقيل: كرهوا كراهة ما أمروا به ونهوا عنه، وقيل: أمر التعصب والعناد، وقيل: لاشتمالها على مخازيهم. «هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ» من المسلمين «ثُمَّ انْصَرَفُوا» قيل: أعرضوا عن استماع القرآن إن لم يرهم أحد، وإن رآهم ثبتوا وأقاموا، عن أبي مسلم. وقيل: يخرجون من المسجد هاربين، وقيل: ينصرفون عن الإيمان به مصرين على الكفر والتكذيب، عن