قوله تعالى: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون 126 وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون 127 لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم 128 فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 129}
  أي: على إيمانكم وهدايتكم لتجتمعوا على الهدى، وقيل: حريص أن تنالوا الثواب والرحمة.
  ثم استأنف، فقال سبحانه في صفة رسوله: «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم» قيل: هما واحد، وهو الرحمة وذكرهما للتأكيد، وقيل: الرأفة أعظم من الرحمة، وقيل: رؤوف بالمطيعين، رحيم بالمذنبين يمهلهم ويقبل توبتهم وعذرهم ويدعوهم إلى التوبة، وقيل: رؤوف لمن رآه، رحيم بمن لم يره، وقيل: لم يسم اللَّه أحدا من أنبيائه باسمين من أسمائه غير محمد، ÷ فإنه سماه باسمين من أسمائه وهو: رؤوف رحيم، «فَإِنْ تَوَلَّوْا» أعرضوا، قيل: عن طاعة اللَّه، عن الحسن. وقيل: عنك. وقيل: عن القرآن، وقيل: أعرضوا عن تصديقك والإقرار بنبوتك، عن أبي علي. «فقُلْ حَسْبِيَ اللَّه» أي: توكُّلي عليه، وكِلْ أمرهم إليه، وقيل: حسبي اللَّه أي: كافينا اللَّه، وهو القادر على كل شيء، مالك الملوك، «لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ» لا شبيه له، ولا نِدَّ، وقيل: فيما يدعوهم إليه من الجهاد، عن أبي مسلم. وقيل: في جميع الأحوال «عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ» أي: فوجب أمري إليه «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ» أي: خالق العرش، وهو الذي في السماء، ووصفه بالعظم في جسمه ورفعته، وخصه بالذكر تفخيمًا لشأنه، وقيل: ليدل أنه مالك الملوك؛ لأنه رب السرير الأعظم، والعرش: السرير، ومنه: {وَلَهَا عَرشٌ عَظِيمٌ}، وقيل: أراد بالعرش الملك والسلطان، أي: هو رب الملك «الْعَظِيمِ» في السماوات والأرض، عن أبي مسلم.
  · الأحكام: تدل الآية الأولى على أنه تعالى يلطف للعبد في الإيمان، وأولى التأويلات بالآية الأمراض والمصائب والقحط ونحوها يصح إضافته إليه تعالى، فينبئهم اللَّه تعالى بها لعلهم يرجعون عن كفرهم.
  وتدل على أن صرف قلوب الكفار عقوبة لهم على كفرهم، ولا يجوز حمله على صرف قلوبهم عن الإيمان؛ لأنه أمر تعالى بالإيمان، فلا يصرفه، ولأنه لا يكون عقوبة وجزاء، ولأنه علقه بكفرهم واختيارهم له في الابتداء وعندهم ذلك من جهته تعالى