التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم 1 أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين 2}

صفحة 3311 - الجزء 5

  وأنه لا يُعْلَمْ معناه ليس بصحيح؛ لأن الغرض من الكلام إفهام المخاطب، ولأن الصحابة والتابعين والعلماء إلى يومنا هذا تكلموا في معناه.

  «تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ» فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: أن المراد به القرآن، ثم اختلفوا فقيل: هذه السورة نسخت من اللوح المحفوظ، فهي من آياته، وهو اختيار القاضي، وقيل: هذه علامات لهذا الكتاب دالة على أنه عربي، عن أبي مسلم، وقيل: (تلك) إشارة إلى ما كان وعد اللَّه له أن يعطيه كتابًا لا يمحوه الماء، فكأنه قيل: هذه السورة من تلك الآيات الموعودة.

  والثاني: المراد بتلك آيات الكتاب التوراة والإنجيل، والكتب المتقدمة، عن مجاهد وقتادة، والأول أصح؛ لأنه لم يَجْرِ للكتب ذكر.

  «الْحَكِيمِ» قيل: وصف الكتاب بالحكمة؛ لأنه دليل يعلم به الحق من الباطل فهو كالناطق بالحكمة والحجج المؤدية إلى المعرفة، وقيل: معناه محكم، أي: أحكم نظمه فصار معجزة، ومعناه: فصار بيانًا، فلا يدخله فساد ونقص، وقيل: أُحْكِمَ بجمع العلوم فيه، وفُصِّل بالحلال والحرام، وقيل: المحكم من الباطل، لا كذب فيه، ولا إخلاف، عن مقاتل. وقيل: أحكم بالأمر والنهي والثواب والعقاب، عن الحسن. «أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ» الألف ألف استفهام، والمراد به الإنكار، معناه: لأي شيء يتعجبون من إرسالي بشرًا، ومعنى «أوحينا» أي: هذا القرآن والدين «إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ»، قيل: من البشر، وهو محمد ÷، وقيل: من العرب «أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ» أي: أخبرهم بالعذاب وخوفهم به «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا» أي: أخبرهم بما يسرهم، وهو أن لهم الجنة ب «أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ» قيل: أجرًا حسنًا، ومنزلة رفيعة بما قدموا من أعمالهم، عن ابن عباس وأبي علي، وهو أحسن ما قيل فيه، وقيل: ثواب