التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون 3 إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون 4}

صفحة 3316 - الجزء 5

  يحسن إذا كان فيه مصلحة، وهو تعالى يعلم المصالح، وقيل: الشفيع ذو المنزلة، أي: ليس لأحد منزلة إلا بعد أن يتعبده فيستحق المنزلة بطاعته، وكان المشركون يدعون لآلهتهم ذلك، فبين أنها أحجار لا تستحق ذلك، عن الأصم، وقيل: معناه يدبر أمر القيامة وحده، فيثيب ويعاقب لا يملك أحد لأحد شيئًا إلا بإذن اللَّه في ذلك إكرامًا له، وللمشفوع، وقيل: يدبر الأمر بحسب المصلحة لا لشفاعة شفيع، ولا لتدبير مدبر «ذَلِكُمُ» يعني الذي فعل ما تقدم ذكره هو «اللَّهُ رَبُّكُمْ» لا رب لكم غيره، وقيل: الذي دبر الأمور هو المالك لتدبيركم «فَاعْبُدُوهُ» لأنه المستحق للعبادة «أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» استفهام، والمراد به التقرير، أي: تذكروا هذا، يعني: تفكروا وتدبروا؛ لتعلموا أنه لا تحق العبادة إلا له.

  ولما أَمَرَ تعالى بالعبادة بَيَّنَ الجزاء حَثًّا عليها، فقال سبحانه: «إِلَيهِ مَرْجِعُكُمْ» يعني: بعد الموت للجزاء في يوم القيامة رجوعكم إلى الموضع الذي لا حكم لأحد سواه، وقيل: إليه موضع رجوعكم.

  ومتى قيل: كيف الرجوع إليه؟

  قلنا: هو على وجهين:

  أحدهما: أن يكون المراد الرجوع إلى موضع له الحكم فيه، لا يمكن لأحد سواه من شيء، بخلاف الدنيا.

  وثانيها: إلى موضع الجزاء من ثواب وعقاب.

  «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» يعني: وعد اللَّه بذلك عباده وعدًا صدقًا «إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» أي: يخلقه ابتداء في الدنيا، ولم يكونوا شيئًا. فخلقهم وكلفهم، ثم يميتهم ويفنيهم، ثم يعيدهم بعد الفناء يوم القيامة للجزاء، وقيل: يبدأهم أحياء ثم يميتهم، ثم يحييهم ويعيدهم أحياء، ثم بين فائدة الإعادة فقال: «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ» أي: بالعدل لا ينقص من أجورهم شيئًا، وإن قَلَّ، قيل: القسط: