التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون 11 وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون 12}

صفحة 3327 - الجزء 5

  يستعجلون بما ليس بمستحق، واللَّه تعالى يمهل، ولا يعجل المستحق، وقيل: أراد عذاب الاستئصال أي: هَؤُلَاءِ يستعجلون العذاب جهلاً بموقعه، وتكذيبًا له، ونحن لا نعاقبهم ونتركهم يترددون فيما هم فيه حِلْمًا وكرمًا، ولو استجاب لهم لقطع أجلهم، عن الأصم، وقيل: الخير منافع الدنيا، وقيل: الخير الثواب، والشر العقاب، عن أبي علي، «لَقُضِيَ إِلَيهِمْ أَجَلُهُمْ» قيل: لآمنوا وقطع أجلهم وفرغ منه، والأجل مدة الحياة، «فَنَذَرُ» أي: ندع «الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا» قيل: لا يطمعون في ثوابنا، ولا يخافون عقابنا، فجعل لقاء الجزاء لقاء له تفخيمًا، وقيل: لا يعلمون لقاء اللَّه إياهم على أعمالهم أي: لا يؤمنون بذلك «فِي طُغْيَانِهِم» أي: عصيانهم، وعدولهم عن الحق إلى الباطل وتمردهم في الظلم «يَعْمَهُونَ»: يتحيرون.

  ومتى قيل: كيف قابل التعجيل بالاستعجال؟

  قلنا: إن تعجيلهم بالشر تضمن طلب الشر، والاستعجال يتضمن الإجابة، فتقدير الكلام: لو استعجلوا الشر كاستعجالهم الخير لعجل الله تعالى لهم الشر، كما عجل الخير «لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ».

  «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ» أي: أصابه بلاء وشدة، وأراد بالإنسان الجنس، أي: من عادة الإنسان إذا أصابه ضر وشدة ومشقة «دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا» قيل: أراد في جميع حالاته؛ لأنه أحوال دعائه، وقيل: أحوال مرضه وصحته، وقيل: هذا بناء على ما تقدم، أي: يستعجل من الشر، فإذا امتحن به أفرط في الدعاء والتضرع، فإذا أزيل بشيء من النعمة فلا هو صابر في المحنة، ولا شاكر في النعمة «فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ» أي: رفعنا عنه، وفَرَّجْنَا «مَرَّ» أي: استمر على طريقته وعادته «كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ» أي: كأنه لم يَدْعُنَا قَطُّ «كَذَلِكَ زُيِّنَ» قيل: زينه الشيطان والغواة، عن الحسن، وقيل: هم زينوا لأنفسهم، وليس هاهنا مزين غيرهم، وإن لم يُضَفْ