قوله تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين 13 ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون 14}
  قلنا: لا؛ لأن النظر يكون بالقلب، وهو التفكر، والعين: هو تقليب الحدقة نحو المرئي التماسًا لرؤيته مع سلامة الحاسة، وكل شيء من ذلك لا يجوز على اللَّه سبحانه، وإنما يستعمل في صفاته مجازًا وتوسعًا، والنظر إنما هو طلب العلم، فمعناه: يعاملهم معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه، عن أبي علي، وقيل: معناه ليعلم الفعل واقعًا، كما علمه قبل وقوعه، كأنه ينظر إليه، عن أبي مسلم.
  · الأحكام: تدل الآية على أن هلاك الأمم كان بظلمهم، فدل أن الظلم حادث من جهتهم حتى استحقوا الهلاك، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ أنه من جهته تعالى.
  وتدل على أن المقصد ببعثة الأنبياء البيان ليؤمنوا، وقوله: «لننظر» تحذير من المعاصي، وترغيب في الطاعات، وزجر عن عمل المعاصي.
  وتدل على أن أعمالهم حادثة من جهتهم؛ ليصح قوله: «لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» وروي عن النبي ÷ أنه قال: «الدُّنْيَا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء».
  ويدل قوله: «وما كانوا ليؤمنوا» على أنه لو أَخَّرَ هلاكهم لَمَا آمنوا، وإنما أهلكهم للإياس من إيمانهم، ولو علم أنهم يؤمنون لأخرهم وبَقَاهُمْ.
  واختلفوا في تبقية من يعلم أنه يؤمن هل تجب أم لا؟ فقال أبو علي: تجب، وقال أبو هاشم: يجوز أن يميتهم على الكفر، ولو علم أنه لو بقاهم لآمنوا؛ لأن التكليف تَفَضُّلٌ، وليس بواجب، وأبو القاسم يذهب إلى قول أبي علي، وكذلك الأصم وأبو مسلم، وإن كانت علتهم تختلف.