التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون 18 وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون 19}

صفحة 3337 - الجزء 5

  ومتى قيل: فمن ينفع ويضر هل يجوز عبادته؟

  قلنا: لا؛ لأن المستحق للعبادة هو اللَّه تعالى لقدرته على أصول النعم وفروعها، الفاعل لها، الخالق للبرية، الرازق للأحياء، فأما من دونه فلا يجوز أن يعبد إلا أنه تعالى بَيَّنَ أن هذه الأصنام على صفة ظاهرة تمنع من عبادتها، حيث لا تملك نفعًا ولا ضرًا إزالةً للشبهة، ثم من ينفع ويضر ليس فيه جواز عبادته، بل يمنع عنها لوجه آخر، فالذي يجمع الجميع في المنع كونها مخلوقة مُدَبَّرة لا تقدر على أصول النعم.

  ومتى قيل: لِمَ قال: «يعبدون من دون اللَّه» مع أنهم أشركوا في العبادة؟

  قلنا: لأن عابد الوثن قد أشرك في العبادة، فلم يعبد اللَّه حق عبادته، فلا يعتد به.

  «وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ» قيل: شفعاؤنا في الدنيا لإصلاح المعاش، وكانوا لا يقرون بالبعث، عن الحسن، وقيل: شفعاؤنا في الآخرة يشفعون لنا، فيُشَفِّعهم اللَّه فينا، وهو اختيار القاضي؛ لأن القصد بالعبادة ما يرجع إلى الثواب دون أعراض الدنيا.

  ومتى قيل: كيف اعتقدوا في جماد، لا ينفع ولا يضر أنها شفعاء؟

  قلنا: قيل: تقليدا وجهلاً واعتقادًا فاسدًا، ولا حد لاعتقاد العوام، وقيل: اعتقدوا أن عبادتها أشد في تعظيم اللَّه من قصد اللَّه تعالى العبادة إياه، فقد حلت من هذه الجهة محل الشافع، وقيل: اعتقدوا أن اللَّه تعالى أمرهم بعبادتها، فلذلك عبدوها، ويحتمل أنهم اعتقدوا أنها تصير حَيًّا تشفع.

  «قُلْ» يا محمد «أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ» أتخبرونه «بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ» قيل: صحته وحقيقته يعني: لا يعلم اللَّه تعالى لنفسه شريكًا، ولا هَؤُلَاءِ شفعاء، وما لا يعلم اللَّه تعالى نفيٌ ليس [بموجود]، ولا معدوم، وقيل: لا يعلم لهَؤُلَاءِ الأوثان هذه المنزلة الرفيعة التي وصفها هَؤُلَاءِ، عن الأصم. و «سُبْحَانَهُ»: تنزيهه عما يقولون من