التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون 18 وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون 19}

صفحة 3338 - الجزء 5

  الشريك له، وعن كل سوء لا يليق به «وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ» أي: هو أجل من أن يكون له شريك «وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا» فيه أقوال:

  الأول: قيل: كانوا جميعًا على الحق، وعلى دين واحد وهو الإسلام، ثم اختلفوا، وقيل: على عهد آدم وولده، عن ابن عباس، ومجاهد، والسدي، وأبي علي، وأبي مسلم، ومتى اختلفوا قيل: عند قَتْلِ أَحَدِ ابْنَيْهِ أَخَاهُ، وقال أبو علي: اختلفوا بعده، وقيل: كانوا على دين واحد، وشريعة واحدة من لدن آدم إلى زمن نوح كانوا عشرة قرون، واختلفوا على عهد نوح، وبعث اللَّه إليهم نوحًا، عن ابن عباس، وقيل: هم أهل سفينة نوح، وقيل: زمن نوح بعد الغرق، كانوا على ملة الإسلام، عن أبي روق، وقيل: من لدن إبراهيم إلى أن غيَّرَهُ عمرو بن لحي، وهو أول من غيَّرَ دين إبراهيم، وعبد الصنم في العرب.

  الثاني: كانوا أمة واحدة مجتمعة على الشرك والكفر، عن ابن عباس والحسن والأصم والكلبي وجماعة، وأنكر أبو علي هذا التأويل لقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ}.

  وروي عن النبي ÷ أنه قال: «إن اللَّه تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب» ولأنه ذم الاختلاف، ولا يبعد هذا المعنى خصوصًا إذا روي عن جماعة من السلف، وما يدعيه أبو علي من أن كل عصر لا يخلو من جماعة لا يقول به أبو هاشم، ومردّ القول فيه قاضي القضاة، أو يحمل على أن المراد بالعموم الخصوص، وإن كان بالمؤمنين فله إجراء الحكم على الغالب، ثم اختلف من قال بهذا التأويل: متى كانوا كذلك؟ فقيل: على عهد إبراهيم، عن ابن عباس، وقيل: بين هلاك آدم إلى زمن نوح، عن الحسن، وقيل: قبل المبعث، عن الأصم، والمراد مشركو العرب، قبل أن يبعث محمدًا ÷، فلما بعث محمد ÷ آمن بعضهم وكفر بعضهم.